( فصل ) في ( بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه وتوابع ذلك ) إجماعا لأن الغالب على الناس الحرية ، واستثنى إذا لم يقر اللقيط برق فهو حر البلقيني ما إذا وجد في دار الحرب التي لا مسلم فيها ولا ذمي ، قال فإنه رقيق لأنه محكوم بكفره ودار الحرب تقتضي استرقاق الصبيان والنساء ، ويحمل كلامهم .
على دار الإسلام .
قال : ولم أر من تعرض له ورده الشيخ بأن دار الحرب إنما تقتضي استرقاق هؤلاء بالأسر ومجرد اللقط لا يقتضيه ( إلا أن يقيم أحد بينة برقه ) فيعمل بها كما يأتي ( وإن ) [ ص: 460 ] المكلف وإن لم يكن رشيدا كما هو ظاهر كلامهم وإن نقل ( أقر ) اللقيط ابن عبد السلام ما يقتضي اعتبار رشده أيضا ( به ) أي الرق ( لشخص فصدقه ) ولو بسكوته عن تصديق وتكذيب لأنه لم يكذبه ( قبل إن لم يسبق ) منه ( إقراره ) أي اللقيط ، ويصح عوده على كل منه ومن المقر له ، إذ لو أقر إنسان بحريته فأقر اللقيط له به لم يقبل وإن صدقه كما هو ظاهر ( بحرية ) كبقية الأقارير ، بخلاف ما إذا كذبه ، وإن صدقه بعد أو سبق إقراره بالحرية وهو مكلف لأنه به التزم أحكام الأحرار المتعلقة بحقوق الله تعالى والعباد فلم يملك إسقاطها ، وإنما قبل إقرارها بالرجعة بعد إنكارها لأن الأصل عدم انقضاء العدة مع تفويض الشارع أمر انقضائها إليها ، والإقرار بالرق مخالف لأصل الحرية الموافق للإقرار السابق ولا يرد على المصنف ما لو أقر لزيد فكذبه فأقر به لعمرو فصدقه فلا يقبل ، وإن لم يسبق منه إقرار بحريته لتضمن إقراره الأول نفي الملك لغيره ، وقد بطل ملكه برده فصار حر الأصل ، والحرية يتعذر إسقاطها لما مر ولو أنكر رقه بعد الدعوى عليه به وحلف ثم عاد واعترف له به ، فإن كانت صيغة إنكاره لست برقيق لك قبل أو لست برقيق فلا لتضمنه الإقرار بحرية الأصل ، ولو أقر بالرق لمعين ثم ادعى حرية الأصل لم تسمع ( والمذهب أنه لا يشترط ) في صحة الإقرار بالرق ( أن لا يسبق منه تصرف يقتضي نفوذه ) بمعجمة بخطه ( حرية كبيع ونكاح ) وغيرهما ( بل يقبل إقراره في أصل الرق وأحكامه ) الماضية المضرة به و ( المستقبلة ) في ماله كما يقبل إقرار المرأة بالنكاح وإن تضمن ثبوت حق لها وعليها سائر الأقارير ، وفي قول من الطريق الثاني لا يقبل فيبقى على أحكام الحرية .
نعم لو أقرت بالرق متزوجة والزوج ممن لا تحل له الأمة لم ينفسخ نكاحه ولكن يتخير بين بقاء النكاح وفسخه حيث شرط حريتها ، فإن فسخ بعد الدخول بها لزمه للمقر له الأقل من مهر المثل والمسمى وإن أجاز لزمه المسمى وإن كان قد سلمه إليها أجزأه فلو طلقها قبل الدخول سقط المسمى ، وتسلم له ليلا ونهارا ويسافر بها من غير إذن ، وتعتد عدة الحرائر لنحو طلاق وعدة الإماء بموت وولدها قبل إقرارها حر وبعده رقيق ، وذلك لأن النكاح كالمقبوض المستوفي ولهذا لا ينفسخ نكاح أمة بنحو طرو يساره ، ولو كان المقر بالرق ذكرا انفسخ نكاحه إذ لا ضرر على الزوجة ولزمه المسمى إن دخل بها ونصفه إن لم يدخل ، ويؤدى مما في يده أو من كسبه حالا ومآلا ، فإن لم يوجد ففي ذمته إلى عتقه ، ولو جنى على غيره عمدا ثم أقر بالرق اقتص منه حرا كان المجني عليه أو رقيقا ، أو خطأ أو شبه عمد قضي مما في يده ، ولا ينافيه كون الأرش لا يتعلق بما في يد الجاني حرا كان أو رقيقا لأن الرق لما أوجب الحجر اقتضى التعلق بما في يده ، كالحر إذا حجر عليه بالفلس فإن لم يكن [ ص: 461 ] معه شيء تعلق الأرش برقبته ، وإن أقر بالرق بعده ما قطعت يده مثلا عمدا اقتص من الرقيق دون الحر لأن قوله مقبول فيما يضره أو بعد ما قطعت خطأ وجب الأقل من نصفي القيمة والدية لأن قبول قوله في الزائد يضر بالجاني ( لا ) في الأحكام ( الماضية المضرة بغيره ) فلا يقبل إقراره بالنسبة إليها ( في الأظهر ) كما لا يقبل الإقرار على الغير بدين مثلا وتقبل البينة برقه مطلقا والثاني يقبل لأنه يتجزأ ويصير كقيام البينة وعلى الأول ( فلو لزمه ) أي اللقيط ( دين فأقر برق وفي يده مال قضي منه ) ثم إن فضل منه شيء فللمقر له ، وإن بقي عليه شيء اتبع به في عتقه ( ولو ادعى رقه من ليس في يده بلا بينة لم يقبل ) جزما إذ الأصل والظاهر الحرية فلا يترك إلا بحجة ، بخلاف النسب احتياطا لمصلحة الصبي لئلا يضيع حقه ( وكذا إن ادعاه الملتقط ) بلا بينة فلا يقبل ( في الأظهر ) لما ذكر .
والثاني يقبل ويحكم له بالرق كما لو التقط مالا وادعاه ولا منازع له ، وفرق الأول أن المال مملوك وليس في دعواه تغيير صفة له واللقيط حر ظاهرا وفي دعواه تغيير صفته ، ثم يستمر بيده كما قاله وهو الأوجه ، وإن جرى المزني الماوردي على وجوب انتزاعه منها لخروجه بدعوى رقه عن الأمانة وربما استرقه بعده ، وأيد الأذرعي بقول العبادي لو ادعى الوصي دينا على الميت أخرجت الوصية عن يده لئلا يأخذها ما لم يبرئ ، وتنظير الزركشي في تعليل الماوردي بأنه لم يتحقق كذبه حتى يخرج عن الأمانة يرد بأن اتهامه صيره كغير الأمين لأن يده صارت مظنة للإضرار باللقيط .
نعم قياس قول العبادي أنه لو أشهد أنه حر الأصل بقي بيده ( ولو رأينا صغيرا مميزا أو غير مميز في يد من يسترقه ) أي يستخدمه مدعيا رقه ( ولم يعرف استنادها إلى التقاط حكم له بالرق ) بعد حلف ذي اليد والدعوى عملا باليد والتصرف بلا معارض ( فإن بلغ ) الصغير الذي استرقه صغيرا سواء ادعى رقه حينئذ أم بعد البلوغ ( وقال : أنا حر الأصل لم يقبل قوله في الأصح إلا ببينة ) بالحرية لأنه حكم برقه في صغره فلم يزل إلا بحجة .
نعم له تحليفه كما نقلاه عن البغوي وأقراه وفارق ما لو رأينا صغيرة بيد من يدعي نكاحها فبلغت وأنكرت فإن على [ ص: 462 ] المدعي البينة ، وكذا لو ادعى عليه حسبة وهي صغيرة بأن اليد دليل الملك في الجملة ، ويجوز أن يولد وهو مملوك ولا كذلك في النكاح فاحتاج للبينة .
والثاني يقبل قوله لأنه الآن من أهل القول إلا أن يقيم المدعي بينة برقه ( ومن أقام بينة برقه ) بعد الاحتياج إليها لا إن لم يحتج إليها كبينة داخل قبل أن تشرف يده على الزوال ( عمل بها ) .
ولو لخارج غير ملتقط ( ويشترط أن تتعرض البينة ) في اللقيط ( لسبب الملك ) من نحو شراء وإرث لئلا تعتمد ظاهر اليد ، وقضيته أن بينة غير الملتقط لا تحتاج لذلك ويكفي قولها ولو أربع نسوة لأن شهادتهن بالولادة تثبت الملك كالنسب في الشهادة بالولادة أنه ولد أمته وإن لم تتعرض للملك خلافا لما في تصحيح التنبيه لأن الغالب أن ولد أمته ملكه ( وفي قول يكفي مطلق الملك ) كسائر الأموال وفرق الأول بأن اللقيط محكوم بحريته بظاهر اليد فلا يزال ذلك الظاهر إلا عن تحقيق .
وطريقة الجمهور كما في الكفاية جريان الخلاف في الملتقط وغيره ، وعبارة المصنف محتملة لذلك ، لكن سياقه يخصه بالملتقط وفرقهم هذا وتعليلهم الذي قضيته ما مر ظاهران فيه ( ولو استلحق اللقيط ) يعني الصغير المحكوم بإسلامه ولو غير لقيط ( حر مسلم ) ذكر ولو غير ملتقط ( لحقه ) بشروطه المتقدمة في الإقرار إجماعا ; لأنه أقر له بحق لا ضرر فيه على غيره فأشبه ما لو أقر له بمال سواء أكان سفيها أم رشيدا ، ولا يلحق بزوجته إلا ببينة كما يعلم مما يأتي .
واستحبوا للقاضي أن يقول للملتقط من أين هو ولدك له من زوجتك أو أمتك أو شبهة لأنه قد يظن أن الالتقاط يفيد النسب ، وبحث الزركشي وجوبه إذا كان ممن يجهل ذلك احتياطا للنسب ويأتي في الشهادات ما يؤيده ، وتعبيره بالمسلم مثال إذ الكافر يستلحق من حكم بكفره وكذا من حكم بإسلامه كما مر لكن لا يتبعه في الكفر ( وصار أولى بتربيته ) من غيره لثبوت أبوته له فأولى ليست على بابها كقولك فلان أحق بماله .
نعم لو كان كافرا واللقيط مسلم بالدار لم يسلم إليه وعلم أن قوله حر مثال كما أشار لذلك فقال ( وإن استلحقه عبد ) بشروطه ( لحقه ) في النسب دون الرق لإمكان حصوله منه من نكاح أو شبهة لكن يقر في يد الملتقط وينفق [ ص: 463 ] عليه من بيت المال وفصله عن الحر لقوله ( وفي قول يشترط تصديق سيده ) له لأنه يقطع إرثه بفرض عتقه .
وأجاب عنه الأول بأن هذا غير منظور له لصحة استلحاقه ابنا مع وجود أخ ( وإن استلحقته امرأة لم يلحقها في الأصح ) لإمكان إقامة البينة بمشاهدة الولادة بخلاف الرجل ، وإذا أقامتها لحقها وإن كانت أمة ، ولا يثبت رقه لمولاها ولا يلحق زوجها إلا إن أمكن وشهدت بالولادة على فراشه وحينئذ لا ينتفي عنه إلا باللعان .
والثاني يلحقها لأنها أحد أبوين فصارت كالرجل ( أو ) استلحقه ( اثنان لم يقدم مسلم وحر على ذمي ) وحربي ( وعبد ) إذ استلحاق كل منهم صحيح ويد الملتقط غير صالحة للترجيح هنا ( فإن ) كان لأحدهما بينة سليمة من المعارض عمل بها فإن ( لم يكن ) لواحد منها ( بينة ) أو كان لكل بينة وتعارضتا ، فإن سبق استلحاق أحدهما ويده عن غير التقاط قدم لثبوت النسب منه مع اعتضاده باليد فهي عاضدة غير مرجحة ، وإن لم يسبق أحدهما كذلك كأن استلحقه لاقطه ثم ادعاه آخر ( عرض على القائف ) الآتي قبيل العتق ( فيلحق من ألحقه به ) لما يأتي ثم ولا يقبل منه بعد إلحاقه بواحد إلحاقه بآخر إذ الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ، ومن ثم لو تعارض قائفان كان الحكم للسابق وتقدم عليه البينة ولو تأخرت كما يقدم هو على مجرد الانتساب لأنه بمنزلة الحكم فكان أقوى ( فإن لم يكن قائف ) بالبلد أو بدون مسافة القصر منه كما ذكره الماوردي وحكاه الرافعي في العدد عن الروياني وقيل بالدنيا وقيل بمسافة العدوى ( أو ) وجد ولكن ( تحير أو نفاه عنهما أو ألحقه بهما ) وقف الأمر إلى بلوغه و ( أمر بالانتساب ) قهرا عليه كما صرح به ، زاد غيره : وحبس إن امتنع وقد ظهر له ميل وإلا وقف الأمر ( بعد بلوغه إلى من يميل طبعه إليه منهما ) لما صح عن الصيمري عمر رضي الله عنه من أمره بذلك ، ويحرم عليه الانتساب بالتشهي بل لا بد من ميل جبلي كميل القريب لقريبه ، وشرط فيه الماوردي أن يعرف حالهما ويراهما قبل البلوغ وأن تستقيم طبيعته ويتضح ذكاؤه ، وأقره ابن الرفعة وأيده الزركشي بقولهم : إن الميل بالاجتهاد : أي وهو يستدعي تلك المقدمات ولو انتسب لغيرهما وصدقه ثبت نسبه ، ولا يخير المميز كما يأتي في الحضانة لأن رجوعه معمول به ثم ، لا هنا ، فقوله ملزم والصبي من أهل الإلزام وينفقانه مدة الانتظار ثم يرجع الآخر على من ثبت له بما أنفق إن أذنه فيه الحاكم أو أشهد على الرجوع عند فقده على قياس نظائره ، وإلا فمتبرع ، ولو تداعاه امرأتان أنفقتا ولا رجوع مطلقا [ ص: 464 ] ( ولو أقاما بينتين ) على النسب ( متعارضتين ) كأن اختلف تاريخهما ( سقطتا في الأظهر ) لانتفاء المرجح فيرجع للقائف ، واليد هنا لا ترجيح بها لأنها لا تثبت النسب بخلاف الملك .
والثاني لا يسقطان وترجح إحداهما بقول القائف .
قال الرافعي : ولا يختلف المقصود على الوجهين وهما مفرعان على قول التساقط في التعارض في الأموال ، ولو تداعيا مولودا فادعى أحدهما ذكورته والآخر أنوثته فبان ذكرا لم تسمع دعوى من ادعى الأنوثة في أوجه احتمالين لأنه قد عين غيره ، ولو استرضع ابنه يهودية ثم غاب وعاد فوجدها ميتة ولم يعرف ابنه من ابنها وقف الأمر كما أفتى به المصنف إلى تبين الحال ببينة أو قائف أو بلوغهما وانتسابهما انتسابا مختلفا ، ويوضعان في الحال في يد مسلم ، فإن لم يوجد شيء مما مر دام الوقف فيما يرجع للنسب ويتلطف بهما ليسلما ، فإن أصرا على الامتناع لم يكرها عليه ، وإذا ماتا دفنا بين مقابر المسلمين والكفار ، وتجب الصلاة عليهما وينويها على المسلم منهما إن صلى عليهما معا ، وإلا فعليه إن كان مسلما كما علم مما مر في كتاب الجنائز ، وخالف التاج الفزاري المصنف ، والأول أصح .