ولما تمم الكلام على أركانه الأربعة شرع في ذكر . شروطه
وهي : التأبيد ، والتنجيز وبيان المصرف ، والإلزام ، فقال ( ولو قال وقفت هذا ) على الفقراء أو على مسجد مثلا ( سنة ) مثلا ( فباطل ) وقفه لفساد الصيغة ، إذ وضعه على التأبيد وسواء في ذلك طويل المدة وقصيرها .
نعم ينبغي أن يقال لو وقفه على الفقراء ألف سنة أو نحوها مما يبعد بقاء الدنيا إليه صح كما بحثه الزركشي كالأذرعي لأن القصد منه التأبيد دون حقيقة التأقيت ، ولا أثر لتأقيت الاستحقاق كعلى زيد سنة ثم على الفقراء .
أو إلا أن يولد لي ولد كما نقله البلقيني عن الخوارزمي ، وجزم به ابن الصباغ وجرى عليه في الأنوار .
ولا للتأقيت الضمني في منقطع الآخر المذكور في قوله ( ولو قال وقفت على أولادي أو على زيد ثم نسله ) أو نحوهما مما لا يدوم ولم يزد على ذلك ( فالأظهر صحة الوقف ) لأن مقصوده القربة والدوام فإذا بين مصرفه ابتداء سهل إدامته على سبيل الخير ( فإذا انقرض المذكور ) أو لم تعرف أرباب الوقف ( فالأظهر أنه يبقى وقفا ) لأن وضع الوقف الدوام كالعتق ولأنه صرفه عنه فلا يعود كما لو مكة فرده فقراؤها . نذر هديا إلى
والثاني يرتفع الوقف ويعود ملكا للواقف أو إلى ورثته إن كان مات ، لأن بقاء الوقف بلا مصرف متعذر ، وإثبات مصرف لم يذكره الواقف بعيد فتعين ارتفاعه ( و ) الأظهر ( أن مصرفه [ ص: 374 ] أقرب الناس ) رحما لا إرثا فيقدم وجوبا ابن بنت على ابن عم .
ويؤخذ منه صحة ما أفتى به العراقي أن المراد بما في كتب الأوقاف ثم الأقرب إلى الواقف أو المتوفى قرب الدرجة والرحم لا قرب الإرث والعصوبة فلا ترجيح بهما في مستويين في القرب من حيث الرحم والدرجة ، ومن ثم قال : لم يرجح عم على خالة بل هما مستويان ويعتبر فيهم الفقر ، ولا يفضل الذكر على غيره فيما يظهر ( إلى الواقف ) بنفسه ( يوم انقراض المذكور ) لأن الصدقة على الأقارب أفضل القربات ، فإذا تعذر الرد للواقف تعين أقربهم إليه لأن الأقارب مما حث الشرع عليهم في جنس الوقف لخبر { أبي طلحة } وبه فارق عدم تعينهم في نحو الزكاة على أن لهذه مصرفا عينه الشارع بخلاف الوقف ، ولو فقدت أقاربه أو كانوا كلهم أغنياء صرف الربع لمصالح المسلمين كما نص عليه أرى أن تجعلها في الأقربين البويطي في الأولى ، أو إلى الفقراء والمساكين على ما قاله سليم الرازي وابن الصباغ والمتولي وغيرهم ، أو قال ليصرف من غلته لفلان كذا وسكت عن باقيها فكذلك ، وصرح في الأنوار بعدم اختصاصه بفقراء بلد الوقف بخلاف الزكاة ، أما الإمام إذا وقف منقطع الآخر فيصرف للمصالح لا لأقاربه كما أفاده الزركشي وهو ظاهر ( ولو كان ) ( فالمذهب بطلانه ) لتعذر الصرف إليه حالا ومن بعده فرعه . ( الوقف منقطع الأول كوقفته على من سيولد لي ) أو على مسجد سيبنى ثم على الفقراء مثلا
والطريق الثاني فيه قولان : أحدهما الصحة ، وصححه المصنف في تصحيح التنبيه ، ولو لم يذكر بعد الأول مصرفا بطل قطعا لأنه منقطع الأول والآخر ، ولو صح ، ولا يؤثر فيه قوله وقفت على أولادي ومن سيولد لي لأن التفصيل بعده بيان له ( أو ) كان الوقف ( منقطع الوسط ) بالتحريك ( كوقفته على أولادي ثم ) على ( رجل ) مبهم ، وبه يعلم أنه لا يضر تردد في صفة [ ص: 375 ] أو شرط أو مصرف دلت قرينة قبله أو بعده على تعينه إذ لا يتحقق الانقطاع إلا مع الإبهام من كل وجه ( ثم الفقراء فالمذهب صحته ) لوجود المصرف حالا ومآلا ، ومصرفا عند الانقطاع كمصرف منقطع الآخر ، لكن محله إن عرف أمد انقطاعه ، فإن لم يعرف كرجل صرف بعد موت الأول لمن بعد المتوسط كالفقراء كما أفاده قال وقفت على أولادي ومن سيولد لي على ما أفصله ففصله على الموجودين وجعل نصيب من مات منهم بلا عقب لمن سيولد له ابن المقري ، وإطلاق الشارح ككثير محمول على ذلك ( ولو اقتصر على ) قوله ( وقفت ) كذا ولم يذكر مصرفا أو ذكر مصرفا متعذرا كوقفت كذا على جماعة ( فالأظهر بطلانه ) وإن قال لله لأن الوقف يقتضي تمليك المنافع فإذا لم يعين متملكا بطل كالبيع ولأن جهالة المصرف كعلى من شئت ولم يعينه عند الوقف أو من شاء الله يبطله فعدمه بالأولى ، وإنما صح أوصيت بثلثي ولم يذكر مصرفا حيث يصرف للمساكين القائل به مقابل الأظهر هنا لأن غالب الوصايا لهم فحمل الإطلاق عليه ، ولأنها أوسع لصحتها بالمجهول والنجس ، وما بحثه الأذرعي من أنه لو نوى المصرف واعترف به صح مردود كما قاله الغزي بأنه لو قال طالق ونوى زوجته لم يصح لأن النية إنما تؤثر مع لفظ يحتملها ولا لفظ هنا يدل على المصرف أصلا ، ويؤخذ منه أنه لو قال في جماعة أو واحد نويت معينا لا يصح قيل وهو متجه
( ولا يجوز ) أي لا يحل ولا يصح ( تعليقه ) فيما لا يضاهي التحرير ( كقوله إذا جاء زيد فقد وقفت ) كذا على كذا لأنه عقد يقتضي نقلا لله تعالى أو للموقوف عليه حالا كالبيع والهبة ، أما ما يضاهيه كجعلته مسجدا إذا جاء رمضان فالظاهر صحته كما ذكره ابن الرفعة ، ومحل ذلك ما لم يعلقه بالموت ، فإن علقه به كوقفت داري بعد موتي على الفقراء فإنه يصح ، قاله الشيخان ، وكأنه وصية لقول القفال لو عرضها للبيع كان رجوعا ، ويفرق بينه وبين المدبر بأن الحق المتعلق به وهو العتق أقوى ، فلم يجز الرجوع عنه إلا بنحو البيع دون نحو العرض عليه ، ونقل الزركشي عن القاضي أنه لو نجزه وعلق إعطاءه للموقوف عليه بالموت جاز كالوكالة ، وعليه فهو كالوصية أيضا فيما يظهر ( ولو [ ص: 376 ] وقف ) شيئا ( بشرط الخيار ) له في الرجوع عنه ، أو في بيعه متى شاء ، أو في تغيير شيء منه بوصف ، أو زيادة أو نقص ، أو نحو ذلك ( بطل ) الوقف ( على الصحيح ) لما مر أنه كالبيع والهبة ، وفارق العتق حيث لم يفسد بالشروط الفاسدة ، كما قاله القفال واعتمده السبكي ، بل قال إن خلافه غير معروف بأنه مبني على السراية لتشوف الشارع إليه ، ومقابل الصحيح يصح الوقف ويلغو الشرط كما لو طلق على أن لا رجعة له ( والأصح أنه إذا وقف بشرط أن لا يؤجر ) أصلا أو سنة أو لا يؤجر من ذي شوكة كما قاله الأذرعي ، أو أن الموقوف عليه يسكن فيه بنفسه ( اتبع ) في غير حالة الضرورة ( شرطه ) كسائر شروطه التي لا تخالف الشرع وذلك لما فيه من وجود المصلحة .
والثاني لا يتبع شرطه لأنه حجر على المستحق في المنفعة ، وخرج بغير حالة الضرورة ما لو لم يوجد إلا من لا يرغب فيه إلا على وجه مخالف لذلك فيجوز لأن الظاهر أنه لا يريد تعطيل وقفه ، ولو أوجرت بقدر ما يفي بالعمارة فقط مراعيا مصلحة الواقف لا مصلحة المستحق ، ويجب أن يعدد العقود في منع أكثر من سنة مثلا وإن شرط منع الاستئناف كذا أفتى به انهدمت الدار المشروط عدم إجارتها إلا مقدار كذا ولم تمكن عمارتها إلا بإجارتها أكثر من ذلك ، وخالفه تلميذه ابن الصلاح ابن رزين وأئمة عصره فجوزوا ذلك في عقد واحد ، وقول بعض الشراح لا تجوز إجارته مدة طويلة لأجل عمارته لأن بها ينفسخ الوقف بالكلية كما يقع بمكة غير معول عليه ، لأن غرض الواقف بقاء عينه وإن تملك ظاهرا بقاء الثواب له ( و ) الأصح ( أنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفة كالشافعية ) وزاد إن انقرضوا فللمسلمين مثلا أو لم يزد شيئا ( اختص بهم ) أي اتبع شرطه كما في المحرر وغيره فلا يصلي ولا يعتكف به غيرهم رعاية لغرضه وإن كره هذا الشرط والثاني لا يختص [ ص: 377 ] المسجد بهم لأن جعل البقعة مسجدا كالتحرير فلا معنى لاختصاصه بجماعة ولو خص المقبرة بطائفة اختصت بهم عند الأكثرين كما قاله الإمام ، ولو شغله شخص بمتاعه لزمته أجرته وهل تكون لهم الأقرب لا لأنهم ملكوا الانتفاع به لا المنفعة ، ولو انقرض من ذكرهم ولم يذكر أحدا بعدهم ، فالأوجه كما بحثه الإسنوي انتفاع سائر المسلمين به لأن الواقف لا يريد تعطل وقفه وليس أحد من المسلمين أولى به من أحد ( كالمدرسة والرباط ) والمقبرة إذا خصصها بطائفة فإنها تختص بهم قطعا لأن النفع هنا عائد إليهم ، بخلافه ثم فإن صلاتهم في ذلك المسجد كفعلها في مسجد آخر ( ولو وقف على شخصين ) كهذين ( ثم الفقراء ) مثلا ( فمات أحدهما فالأصح المنصوص أن نصيبه يصرف إلى الآخر ) لأن شرط الانتقال إلى الفقراء انقراضهما جميعا ولم يوجدوا إذا امتنع الصرف إليهم ، فالصرف لمن ذكره الواقف أولى .
والثاني يصرف إلى الفقراء كما يصرف إليهم إذا ماتا ، ومحل الخلاف ما لم يفصل ، وإلا بأن قال وقفت على كل منهما نصف هذا فهما وقفان كما ذكره السبكي فلا يكون نصيب الميت منهما للآخر بل الأقرب انتقاله للفقراء إن قال ثم على الفقراء ، فإن قال ثم من بعدهما على الفقراء فالأقرب انتقاله للأقرب إلى الواقف ، ولو وقف عليهما وسكت عمن يصرف له بعدهما فهل نصيبه للآخر أو لأقرباء الواقف ؟ وجهان أوجههما كما أفاده الشيخ الأول وصححه الأذرعي ، ولو رد أحدهما أو بان ميتا فالقياس على الأصح صرفه للآخر ، ولو قال وقف على زيد ثم عمرو ثم بكر ثم الفقراء فمات عمرو قبل زيد ثم مات زيد الماوردي والروياني : لا شيء لبكر وينتقل الوقف من زيد إلى الفقراء لأنه رتبه بعد عمرو وعمرو بموته أولا لم يستحق شيئا فلم يجز أن يتملك بكر عنه شيئا وقال القاضي في فتاويه : الأظهر أنه يصرف إلى بكر لأن استحقاق الفقراء مشروط بانقراضه ، كما لو يرجع للفقراء ، ويوافقه فتوى [ ص: 378 ] وقف على ولده ثم ولد ولده ثم الفقراء فمات ولد الولد ثم الولد البغوي في مسألة حاصلها أنه إذا يشارك ولده من بعده عند استحقاقه ، قال مات واحد من ذرية الواقف في وقف الترتيب قبل استحقاقه للوقف لحجبه بمن فوقه الزركشي : وهذا هو الأقرب ، ولو وقف على أولاده فإذا انقرض أولادهم فعلى الفقراء فالأوجه كما صححه أنه منقطع الوسط لأن أولاد الأولاد لم يشرط لهم شيئا وإنما شرط انقراضهم لاستحقاق غيرهم ، واختار الشيخ أبو حامد دخولهم وجعل ذكرهم قرينة على استحقاقهم واختاره ابن أبي عصرون الأذرعي .