( والأظهر أنه لا يصح ) في غير نحو الفقاع كما مر ( ) وهو ما لم يره [ ص: 416 ] المتعاقدان أو أحدهما ثمنا أو مثمنا ، ولو كان حاضرا في مجلس البيع وبالغا في وصفه أو سمعه بطريق التواتر كما يأتي أو رآه في ضوء إن ستر الضوء لونه كورق أبيض فيما يظهر ، ولا ينافي ذلك ما صرح به بيع الغائب من أنه يكتفي بالرؤية العرفية مع أن هذا منها ; لأنه ليس العرف المطرد ذلك على أن كلامه مقيد بما إذا لم يكن العيب ظاهرا بحيث يراه كل من نظر إلى المبيع ، وحينئذ فالمراد بالرؤية العرفية هي ما تظهر للناظر من غير مزيد تأمل ، ورؤية نحو الورق ليلا في ضوء يستر معرفة بياضه ليست كذلك أو من وراء نحو زجاج وكذا ماء صاف إلا الأرض والسمك ; لأن به صلاحهما ، وصحت إجارة أرض مستورة بماء ولو كدرا لأنها أوسع بقبولها التأقيت وورودها على مجرد المنفعة وذلك للنهي عن بيع الغرر ; لأن الرؤية تفيد ما لم تفده العبارة كما يأتي ( والثاني ) وبه قال الأئمة الثلاثة ( يصح ) البيع إن ذكر جنسه وإن لم يرياه ( ويثبت الخيار ) للمشتري ( عند الرؤية ) لحديث فيه ضعيف بل قال [ ص: 417 ] ابن الصلاح باطل ، وينفذ قبل الرؤية الفسخ دون الإجازة ، ويمتد الخيار امتداد مجلس الرؤية ، وكالبيع : الصلح والرهن والهبة والإجارة ونحوها بخلاف نحو الوقف . الدارقطني
ولا ينافيه ما نقل عن فتاوى القفال من الجزم بالمنع ; لأن الأول في وقف ما لم يره مما استقر عليه ملكه كأن ورثه أو اشتراه له وكيله ، وكلام القفال فيما لم يستقر عليه ملكه ( و ) على الأظهر ( تكفي ) في صحة البيع ( الرؤية قبل العقد ) ولو لمن عمي وقته ( فيما لا ) يظن أنه ( يتغير غالبا إلى وقت العقد ) كأرض وحديد ونحاس وآنية اكتفاء بتلك الرؤية ، والغالب بقاؤه على ما شاهده عليه .
نعم يشترط أن يكون ذاكرا حال العقد لأوصافه التي رآها كأعمى اشترى ما رآه قبل العمى وإلا لم يصح كما قاله الماوردي وأقره المتأخرون وقول المجموع إنه غريب : أي نقلا على أن غيره صرح به أيضا لا مدركا ، إذ النسيان يجعل السابق كالعدم فيفوت شرط العلم بالمبيع فلا ينافي تصحيح غيره وجعله تقييدا لإطلاقهم وانتصار بعضهم لتضعيفه بجعلهم النسيان غير دافع للحكم السابق في مسائل كإنكار الموكل الوكالة لنسيان فلا يكون عزلا ، وكما لو نسي فأكل في صومه أو جامع في إحرامه فلا يفسد ، وكما لو رأى المبيع ثم التفت عنه واشتراه غافلا عن أوصافه فيصح مردود بأن مدار العزل على ما يشعر بعدم الرضا بالتصرف ، وبطلان الصوم والحج على ما ينافيهما مما فيه تعد ولم يوجد ذلك ، ومدار البيع على عدم الغرر وبالنسيان يقع فيه ، وما ذكره في الفرع الأخير هو محل النزاع فلا يستدل به ، وبفرض كون المنقول فيه ما ذكر فالقول فيه ضعيف جدا فلا يلتفت إليه ، وبحث بعضهم أنه لو رأى الثمرة قبل بدو صلاحها ثم اشتراها بعده من غير تجديد رؤية لم يصح وإن قربت المدة ، إلا أنها تتغير بنحو اللون فكانت أولى مما يغلب تغيره فإنه يبطل وإن لم يتغير لعارض كما يأتي .
وإذا صح فوجده متغيرا عما رآه عليه [ ص: 418 ] تخير فلو اختلفا في تغيره فالقول قول المشتري بيمينه ويتخير ; لأن البائع يدعي عليه أنه رآه بهذه الصفة الموجودة الآن ورضي به ، والأصل عدم ذلك ، وإنما صدق البائع فيما لو اختلفا في عيب يمكن حدوثه ; لأنهما قد اتفقا على وجوده في يد المشتري والأصل عدم وجوده في يد البائع ( دون ما ) يظن أنه ( يتغير غالبا ) لطول مدة أو عروض أمر آخر كالأطعمة التي يسرع لها الفساد ، إذ لا ثقة حينئذ ببقائه حال العقد على أوصافه المرئية ، ولا منافاة في كلامه فيما يحتمل التغير وعدمه على السواء كما ادعاه بعضهم معللا بأن قضية مفهوم أوله البطلان وآخره الصحة والأصح فيه الصحة كالأول بشرطه ; لأن الأصل بقاء المرئي بحاله ; لأنا نمنع مدعاه ، بل هو داخل في منطوق أول كلامه ومفهوم آخره ; لأن القيد هنا للمنفي كما هو الأصل لا للنفي : أي ما لا يغلب تغيره سواء أغلب عدم تغيره أم استويا دون ما يغلب تغيره فهو داخل في منطوق الأول ومفهوم الثاني فلا تنافي كذا قيل ، وقد أورد الشارح هذه المسألة عليه ولم يدخلها في كلامه إذ إدخالها فيه يقتضي إثبات الخلاف فيها وليس كذلك ، والأوجه ما جرى عليه المصحح والإدخال حينئذ من حيث الحكم لا من حيث الخلاف ، وجعل الحيوان مثالا هو ما درجوا عليه وهو ظاهر .
فما ذكره في الأنوار من أنه قسيم له وحكمهما واحد محل نظر ، وإن كان يمكن توجيهه بأنه لما شك فيه هل هو مما يستوي فيه الأمران أو لا ألحق بالمستوي لأن الأصل عدم المانع وجعل قسيما له لعدم تحقق الاستواء فيه ، ومقتضى إناطتهم التغير وعدمه بالغالب لا بوقوعه بالفعل عدم النظر لهذا حتى لو غلب التغير فلم يتغير أو عدمه فتغير أو استوى فيه الأمران فتغير أو لم يتغير لم يؤثر فيما قالوه في كل من الأقسام من البطلان في الأول والصحة في الأخيرين ، ووجهه اعتبار الغلبة وعدمها حالة العقد دون الطارئ بعده .