( الثاني ) من المحرمات ذكرا كان أو غيره ولو أخشم بما يقصد منه ريحه غالبا ولو مع غيره كمسك وعود وكافور وورس و زعفران وريحان وورد وياسمين ونرجس وآس وسوسن ومنثور ونمام وغيرها مما يتطيب به ولا يتخذ منه الطيب وشرط الرياحين [ ص: 334 ] كونها رطبة وفي المجموع عن النص أن الكاذي بالمعجمة ولو يابسا طيب ولعله أنواع ، ويكون ذلك من نوع إذا رش عليه ماء ظهر ريحه ، ومثله الفاغية وهي ثمر الحناء ، لكن إن كانت رطبة فيما يظهر وعلم من ذلك حرمة ما هو طيب بنفسه بالأولى كدهن بنفسج أو ورد أو ياسمين أو آس أو كاذي ، والمراد به نحو شيرج يطرح فيه ذلك ، أما لو طرح نحو البنفسج على نحو السمسم أو اللوز فأخذ رائحته ثم استخرج دهنه فلا حرمة فيه ولا فدية ، وسواء في حرمة ما ذكر أكان اشتماله لذلك ( في ) ملبوسه من ( ثوبه ) أو غيره كخف أو نعل للخبر المار ( أو ) في ( بدنه ) قياسا على ثوبه بطريق الأولى ولو باطنا بأكل أو إسعاط أو احتقان فيجب مع التحريم في ذلك الفدية إذا كان على الوجه المعتاد في ذلك الطيب ، فلو شد نحو مسك أو عنبر في طرف ثوبه أو وضعته المرأة في جيبها أو لبست حليا محشوا به حرم كما يأتي ، ولا يضر وضعه بين يديه على هيئته المعتادة ، وشمه ولا شم ماء الورد إذ التطيب به وإن كان فيه نحو مسك إنما يكون بصبه على بدنه أو ثوبه ولا حمل العود وأكله والإلصاق بباطن البدن كهو بظاهره ، فلو كان في مأكول بقي فيه ريح الطيب أو طعمه حرم ; لأن الريح هو الغرض الأعظم من الطيب والطعم مقصود منه أيضا ، بخلاف اللون وحده ، ومنه إدخاله في الإحليل والاكتحال بنحو إثمد مطيب ولو خفيت رائحة الطيب لنحو غبار ، فإن كان بحيث لو أصابه ماء فاحت حرم استعماله وإلا فلا ، وإنما عفي عن رائحة النجاسة بعد غسلها ; لأن القصد إزالة العين وقد حصلت . ( استعمال الطيب ) للمحرم
والقصد من الطيب الرائحة وهي موجودة ، وبه يعلم أن ما لا يدركه الطرف من الطيب كغيره إذا ظهر له ريح وإلا فلا ، ولا تطيب بفاكهة كتفاح وسفرجل وأترج ونارنج وغيرها ; لأنها تقصد للأكل غالبا ، ولا بنحو دواء كقرنفل وقرفا وسنبل ودار صيني وعفص وحب محلب ومصطكا وسائر الأبازير الطيبة ; لأن المقصود منها غالبا التداوي بها ، ولا بنحو زهر بادية كشيح وقيصوم وشقائق إذ لا يقصد منها الطيب ، ويؤخذ منه كون البعيثران طيبا ; لأنه مستنبت [ ص: 335 ] ومثلها نحو العصفر والحناء ; لأن القصد لونها ونور نحو التفاح والأترج والنارنج والكمثرى بجامع عدم قصد الطيب منه ولا بنحو بان ودهنه على ما نقله الإمام والغزالي عن النص واعتمده ، وأطلق الجمهور أن كلا منهما طيب ، وحمل الشيخان الخلاف على توسط ذكره جماعات ، ونقله المحاملي عن النص وهو أن دهن البان المنشوش وهو المغلي في الطيب طيب وغير المنشوش ليس بطيب ، والإغلاء ليس بشرط بل المدار على الطرح نظير ما مر في دهن البنفسج ، وأيده القونوي بقول الإمام الأدهان نوعان : دهن طيب مثل البان المنشوش بطيب ، ودهن ليس بطيب مثل سليخة البان غير منشوش .
قال أبو زرعة تبعا لابن الملقن : إنما يأتي هذا الحمل في دهن البان دون البان نفسه فالخلاف فيه محقق ، ورده الجوجري بأن هذا الدهن كما يكون إذا أغلي فيه الطيب طيبا ، كذلك البان إذا أغلي في الطيب الذي هو دهن كماء الورد يكون طيبا ثم نظر أخذا من كلام طائفة من المتأخرين في كلام الشيخين المذكور بأنه حينئذ لا تعلق لهما بالطيب أصلا فإن نحو الشيرج إذا أغلي فيه الورد يصير طيبا بواسطة الورد ، أو ألقي السمسم في ماء الورد وأغلي يصير طيبا فكيف يتضح القول بأنهما طيبان على أن الطيب في البان محسوس ، وقد يقال قد نقلا عن اتفاق الأصحاب في دهن البنفسج أنه طيب ، وقد قطع الدارمي ، وأقراه في دهن الأترج : أنه مثله مع كون الأترج ليس بطيب قطعا ، فأولى أن يكون دهن البان كذلك للخلاف في أن البان طيب ، فالتحقيق تأويل كلامهما بأن يقال مرادهما بالطيب المغلي في الطيب البان ، وأبرز الضمير لنكتة تسميته طيبا إذ هي محل الخلاف ، فحينئذ يطابق ما قالاه في البنفسج بأن المراد بدهنه ما أغلي فيه ، وعلى نظيره في دهن البان يحمل كلام الجمهور لا أنها تروح سمسمه به .
وعليه يحمل كلام الغزالي وإمامه وما رد به على أبي زرعة محل نظر ، والتحقيق أن كلامهما غير متأت في البان وأن المعتمد فيه أنه طيب نعم من قال إنه ليس بطيب يحمل على يابس لا يظهر ريحه برش الماء عليه .
ويعتبر لوجوب الفدية بشيء مما مر كون المحرم عامدا عالما بتحريمه وبالإحرام وبكونه طيبا وإن جهل وجوب الفدية في كل أنواعه أو جهل الحرمة في بعضها مختارا عاقلا إلا السكران لحرمة التطيب حينئذ ، بخلاف الناسي وإن كثر منه قياسا على أكله في الصوم ، ولا يصح قياسه على الصلاة لاشتمالها على أفعال متجددة مباينة للعبادة من كل وجه ; فوقوع الفعل مع ذلك يشعر بمزيد التقصير ، بخلاف الإحرام فإنه مجرد استدامة التجرد الذي يقع في العادة كثيرا فهيئته غير مذكرة كهيئتها ، بل قد لا يوجد تذكر أصلا كما لو كان غير متجرد ، وبخلاف الجاهل بالتحريم أو بكونه طيبا فلا حرمة ولا فدية لما صح أنه صلى الله عليه وسلم لم يوجب الفدية على من لبس مطيبا جاهلا .
قال : ولو ادعى في زماننا الجهل بتحريم الطيب واللبس ففي قبوله وجهان ا هـ . القاضي أبو الطيب
والأوجه عدمه إن كان مخالطا للعلماء بحيث لا يخفى عليه ذلك عادة وإلا قبل ، ولو لطخه غيره بطيب فالفدية على الملطخ : أي وكذا عليه إن توانى في إزالته ، وتجب بنقل طيب أحرم بعده مع بقاء عينه لا إن انتقل بواسطة نحو عرق أو حركة ، وتجب أيضا بسبب مس طيب كأن داسه عالما به وبلزق عينه به وعبقت به العين أو عبقت به من غير علمه فعلم وتوانى في قلعه لا إن مسه وقد علم [ ص: 336 ] عبق ريحه فقط بأن علم به وظن كونه يابسا لا يعبق به عينه وكان رطبا وعبقت به فدفعه فورا فلا فدية كما رجحه في المجموع وغيره ، وعلم أنه لا أثر بعبق الريح فقط بنحو مسه وهو يابس أو جلوسه في دكان عطار أو عند متجمر ; لأنه ليس تطييبا ، بخلاف احتوائه على مجمرة بأن يجعلها تحته ; لأن التطيب به ليس إلا بذلك ، لكن جزم الزركشي بأنه لو طرحه في نار أمامه ولم يجعله تحته حرم ، ولا منافاة ; لأنه متى عبقت العين ببدنه أو ثوبه حرم وإن كان أمامه ومتى عبق الريح فقط فلا وإن كان تحته ، والماء المبخر كالثوب فيما ذكر ، وتجب بنوم أو جلوس أو وقوف بفراش أو مكان مطيب من غير حائل بينه وبين ذلك وبسبب توان في دفع ما ألقي عليه من الطيب بنفض أو غيره مع الإمكان ولو كان الملقى ريحا ، إذ الاستدامة هنا كالابتداء بخلاف الإيمان ، وإنما جاز الدفع بنفسه وإن استلزم المماسة وطال زمنها ; لأن قصده الإزالة .
ومن ثم جاز له نزع الثوب من رأسه ولم يلزمه شقه وإن تعدى بلبسه كما اقتصاه إطلاقهم ، وظاهر تعبيرهم بلم يلزمه أنه يجوز وإن نقصت بذلك قيمته ، ويوجه بأن مبادرته للخروج عن المعصية قطعت النظر عن كونه إضاعة مال . نعم الأولى أن يأمر من يزيله حيث لا تراخي فيه . أما إذا لم يمكن لنحو زمانة وفقد من يزيله أو أجرته بأن لم يفضل عنه شيء مما يلزمه صرفه في الفطرة أو كونها زائدة على أجرة المثل فلا فدية ، ولو توقفت إزالته على الماء ولم يجد إلا ما يكفيه للوضوء فإن كفى ماؤه لإزالته توضأ به ثم أزاله وإلا قدمه ، وإطلاق جمع كنص الأم تقديم إزالته محمول على الشق الأخير أو على ما إذا لم يتغير به الماء ، ولا تجب بحمل مسك في فارة لم تشق عنه أو ورد في نحو منديل وإن شم الريح أو قصد التطيب خلافا للأذرعي إذ لا يعد بذلك متطيبا ، فإن فتحت الخرقة أو شقت الفارة وجبت كما قالوه وهو المعتمد وإن نظر فيه الشيخان ، وما بحثه الأذرعي من أن حمل الفارة المشقوقة أو المفتوحة لمجرد النقل لا يضر غير بعيد إن لم يشدها في ثوبه وقصر الزمن بحيث لا يعد في العرف متطيبا ، وقد علم مما تقرر أن مجرد مس اليابس لا يضر إلا إن لزق به عينه أو حمله بنحو يده أو خرقة غير مشدودة ولم يقصد به النقل بشرطه المار .
وبحث الإسنوي أن لمن طهرت من نحو حيض ، وهي محرمة أن تستعمل قليل قسط ، أو أظفار لإزالة الريح الكريه لا للتطيب كالمعتدة وأولى ; لأن أمر الطيب أخف لوجوب إزالته عند الشروع في العدة لا الإحرام ، لكن في باب الغسل منع المحرمة من الطيب مطلقا ، وفي الجواهر أنه لا يكره للمحرم شراء الطيب ومخيط وأمة ا هـ .
وبما أطلقه في الأمة أفتى البارزي ، لكن قال الجرجاني : يكره له شراؤها ، وظاهره عدم الفرق بين من للخدمة والتسري ووجه بأنها بالقصد تتأهل للفراش ولو لامرأة وإن لم يكن مطيبا كسمن وزبد وشحم وشمع ذائبين ومعتصر من نحو حب كزيت وشيرج ، وألحق بهما ( ودهن شعر الرأس ) للمحرم ( أو اللحية ) المحب الطبري سائر شعور الوجه قال : وهو القياس ، واعتمده جمع متأخرون ، وهو ظاهر خلافا لقول ابن النقيب : لا يلحق بها الحاجب والهدب وما يلي الوجه ا هـ .
قيل وما قاله في الأخير ظاهر ، ومثله شعر الخد [ ص: 337 ] إذ لا يقصد تنميتهما بحال ، وسواء في الشعر أكان كثيرا أم قليلا إذ التحريم منوط بما يصدق به التزين فإنهم عللوه بما فيه من التزين المنافي لحال المحرم .
فإن الحاج أشعث أغبر ، وعبارة الروضة وأصلها والمحرر والكتاب والأنوار وغيرها دهن شعر الرأس أو اللحية انتهى .
فظاهرها شمول الجميع ، وبتقدير عدمه فالشعر جمع وأقله ثلاث شعرات ، وعبارة كثيرين : ويحرم عليه أن يدهن رأسه أو لحيته ، كذا أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وسواء أيضا الرأس واللحية المحلوقان وغيرهما لما فيه من تزيين الشعر وتنميته المنافيين لخبر { المحرم أشعث أغبر } أي شأنه المأمور به ذلك ، بخلاف اللبن وإن كان يستخرج منه السمن ، أما رأس الأقرع والأصلع وذقن الأمرد فلا لانتفاء المعنى ، وإنما حرم تطييب الأخشم ولزمته الفدية كما مر ; لأن المعنى هنا منتف بالكلية بخلافه ثم ، فإن المعنى فيه الترفه بالطيب وإن كان المتطيب أخشم على أن لطيفة الشم قد يبقى منها بقية وإن قلت ; لأنها لم تزل وإنما عرض مانع في طريقها فحصل الانتفاع بالشم في الجملة وإن قل ، ولو كان بعض الرأس أصلع جاز دهنه هو فقط دون الباقي وخرج بالرأس واللحية وما ألحق بهما ما عدا ذلك من البدن ظاهرا أو باطنا وسائر شعوره وأكله من غير أن يصيب اللحية أو الشارب أو العنفقة كما هو ظاهر ، وجعله في شجة بنحو رأسه لما مر وفارق حرمة الإسعاط بالطيب بأن القصد هنا تنمية الشعر ولم يحصل منه شيء بوجه وهناك ظهور الرائحة وهي تظهر بالجشاء وغيره ، والمحرم هنا يوجب الفدية كما مر نظيره ، أما خضب شعر الرأس واللحية بحناء رقيق ونحوه فلا يوجبها ; لأنه ليس بطيب ولا في معناه ، وذكر المصنف الدهن عقب الطيب لتقاربهما في المعنى بجامع الترفه من غير إزالة عين ، وإلا فهو قسم مستقل لما تقرر من عدم الفرق في الدهن بين المطيب وغيره .
الدهن بفتح الدال مصدر بمعنى التدهين وتعبيره بأو يفيد التنصيص على تحريم كل واحد على انفراده ( ونحوه ) كسدر من غير نتف شعر إذ القصد منه إزالة الوسخ لا التنمية . ولا يكره غسل بدنه ورأسه بخطمي
نعم الأولى تركه ، واكتحال بغير مطيب ليس فيه زينة كالتوتيا ، بخلاف ما فيه زينة كالإثمد فيكره إلا لحاجة رمد ونحوه كما في المجموع عن الجمهور .
وقال في شرح مسلم : إنه مذهب ، والكراهة في المرأة أشد ، الشافعي ولم يضطر إليهما حينئذ ، وإنشاد شعر مباح ، ونظر في مرآة وتسريح شعره برفق خشية الانتتاف الموجب للدم ، ولا دم عليه إن شك هل نتف المشط شيئا من شعره حال التسريح أو انتتف بنفسه ; لأن الأصل براءة الذمة . وللمحرم احتجام وفصد ما لم يقطع بهما شعرا
نعم وتسريحه وتفليته . يكره حك شعره لا جسده بأظفاره لا بأنامله