[ ص: 275 ] باب دخوله أي المحرم مكة زادها الله شرفا وبرا وما يتعلق به
يقال مكة وبكة بالباء لغتان ، ولها نحو ثلاثين اسما ولهذا قال المصنف : لا نعلم بلدا أكثر أسماء من مكة والمدينة لكونهما أفضل الأرض وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى ومكة أفضل الأرض للأحاديث الصحيحة التي لا تقبل النزاع كما قاله وغيره ، وأفضل بقاعها ابن عبد البر الكعبة المشرفة ثم بيت خديجة بعد المسجد الحرام . نعم التربة التي ضمت أعضاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع ما مر حتى من العرش وتستحب المجاورة بمكة كما قاله رحمه الله المصنف رحمه الله في الإيضاح إلا أن يغلب على ظنه وقوع محذور منه بها ( الأفضل ) للمحرم بالحج ولو قارنا ( دخولها قبل الوقوف ) بعرفة إن لم يخش فوته للاتباع ولكثرة ما يحصل له من السنن الآتية ( وأن يغتسل داخلها ) بالرفع فاعل يغتسل الجائي ( من طريق المدينة ) والشام ومصر والمغرب إذا كان محرما ولو بعمرة كما في المجموع وإن أوهمت عبارة الروضة اختصاصه بالحاج ، وظاهر خبر الصحيحين استحبابه لمحرم وحلال ( بذي طوى ) للاتباع رواه الشيخان وهي بالقصر وتثليث الطاء والفتح أجود : واد بمكة بين الثنيتين .
سمي بذلك لاشتماله على بئر مطوية بالحجارة : يعني مبنية بها ، إذ الطي البناء ، ويجوز فيها الصرف وعدمه على إرادة المكان أو البقعة . أما مكة فقد مر في الباب السابق أنه مستحب مطلقا ، وإنما أعاده لبيان محله وهو كونه من ذي طوى وأما الجائي من غير طريق الغسل لدخول المدينة كاليمني فيغتسل من نحو تلك المسافة كما في المجموع وغيره ، وإن قال المحب الطبري إنه لو قيل باستحبابه لكل حاج ومعتمر لم يبعد ، وإطلاقهم يشمل الرجل وغيره ( و ) أن ( يدخلها من ثنية كداء ) بفتح الكاف والمد والتنوين : وهي الثنية العليا وهي موضع بأعلى مكة وإن لم تكن بطريقه كما صوبه المصنف ، خلافا للرافعي لأنه صلى الله عليه وسلم عرج إليها قصدا كما قاله الجويني ، وفارق ما مر في الغسل بذي طوى بأن حكمة الدخول من كداء غير حاصلة بسلوك غيرها ، وحكمة الغسل النظافة ، وهي حاصلة في كل موضع ( و ) أن ( يخرج من ثنية كدى ) بضم الكاف والقصر والتنوين ، وهي الثنية السفلى ، والثنية : الطريق الضيق بين الجبلين .
والمعنى فيه وفي الدخول مما مر الذهاب من طريق والإياب من أخرى كما في العيد وغيره ، وخصت العليا بالدخول لقصد الداخل موضعا عالي المقدار والخارج عكسه ، ولأن العليا محل دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقوله اجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم كما روي عن فكان الدخول منها أبلغ في تحقيق استجابة دعاء ابن عباس إبراهيم ، ولأن الداخل منها يكون مواجها لباب الكعبة ، وجهته أفضل الجهات . قال الإسنوي : وقضية [ ص: 276 ] ذلك استحباب ما ذكر لغير المحرم . قاله السهيلي ، والأفضل دخولها نهارا وأوله بعد صلاة الفجر وماشيا وحافيا إن لم تلحقه مشقة ولم يخف تنجس رجله وبخضوع قلب وجوارح ، ومع الدعاء والتضرع واجتناب المزاحمة والإيذاء والتلطف بمن يزاحمه ، وفارق المشي هنا المشي في بقية الطريق بأنه هنا أشبه بالتواضع والأدب ، وليس فيه فوات مهم ولأن الراكب في الدخول يتعرض للإيذاء بدابته في الزحمة ، والأفضل للمرأة ومثلها الخنثى دخولها في هودجها ونحوه .