( أولا ) متتابعة مع يوم الخروج ; لأن الصوم معين على الرياضة والخشوع وصح { ( ويأمرهم الإمام ) استحبابا أو من يقوم مقامه ( بصيام ثلاثة أيام ) } والتقدير بالثلاثة مأخوذ من كفارة اليمين ; لأنه أقل ما ورد في الكفارة ، وبأمره يصير الصوم واجبا امتثالا له كما أفتى به ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، والمظلوم النووي وسبقه إليه ابن عبد السلام في قواعده وأقره عليه جمع كالسبكي والقمولي والإسنوي وغيرهم وأفتى به [ ص: 416 ] الوالد رحمه الله تعالى ، ووافق على ذلك البلقيني في موضع ، وقوله في موضع آخر إنه مردود لنص الأم هو المردود بأنه ليس صريحا في مدعاه ، وعلى التنزل فهو محمول بقرينة كلامه في باب البغاة على ما إذا لم يأمر الإمام بذلك ، وعلى هذا فيجب في هذا الصوم التبييت والتعيين ، فلو لم يبيته لم يصح ، ويصح صومه عن النذر والقضاء والكفارة ; لأن المقصود وجود الصوم في تلك الأيام ولا يجب هذا الصوم على الإمام لأنه إنما وجب على غيره بأمره بذلا لطاعته ، لكن لو فات لم يجب قضاؤه ، إذ وجوبه ليس لعينه وإنما هو لعارض وهو أمر الإمام والقصد منه الفعل في الوقت لا مطلقا ، والراجح أن القضاء بأمر جديد وإن كانت صلاته لا تفوت بالسقيا بل تفعل شكرا كما مر ، أفتى بجميع ذلك الوالد رحمه الله تعالى ، ويدل لوجوب ما مر قولهم في باب الإمامة العظمى : تجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم يخالف حكم الشرع . ولعل هذا مستند الإسنوي في قوله ظاهر كلامهم في باب الإمامة [ ص: 417 ] يقتضي التعدي إلى كل ما يأمرهم به من صدقة وغيرها ، قال في شرح هذا الكتاب : وهو القياس ا هـ .
وهو المعتمد فقد صرح بالتعدي الرافعي في باب قتال البغاة ، وعلى هذا فالأوجه أن المتوجه عليه وجوب الصدقة بالأمر المذكور من يخاطب بزكاة الفطر ، فمن فضل عنه شيء مما يعتبر ، ثم لزمه التصدق بأقل متمول ، هذا إن لم يعين له الإمام قدرا ، فإن عين ذلك على كل إنسان فالأنسب بعموم كلامهم لزوم ذلك المقدار المعين لكن يظهر تقييده بما إذا فضل ذلك المعين عن كفاية العمر الغالب ، ويحتمل أن يقال إن كان المعين يقارب الواجب في زكاة الفطر قدر بها ، أو في أحد خصال الكفارة قدر به وإن زاد على ذلك لم يجب ، وأما العتق فيحتمل أن يعتبر بالحج والكفارة فحيث لزمه بيعه في أحدهما لزمه عتقه إذا أمر به الإمام ( والتوبة ) بالإقلاع عن المعاصي والندم عليها والعزم على عدم العود إليها ( والتقرب إلى الله تعالى بوجوب البر ) من عتق وصدقة وغيرهما ; لأن ذلك أرجى للإجابة ، قال تعالى [ ص: 418 ] { ويا قوم استغفروا ربكم ، ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا } وقال { إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي } الآية ( والخروج من المظالم ) نص عليه مع أنها من شروط التوبة إتماما بذكرها لعظم أمرها فهو من عطف الخاص على العام وسواء في المظالم المتعلقة بالعباد كانت دما أم عرضا أم لا ; لأن ذلك أقرب للإجابة .
وقد يكون الجدب بترك ذلك ، فقد روى الحاكم { والبيهقي } . وقال ولا منع قوم الزكاة إلا حبس عنهم المطر : إذا بخس الناس المكيال منعوا قطر السماء ، وقال عبد الله بن مسعود مجاهد وعكرمة في قوله تعالى { ويلعنهم اللاعنون } تلعنهم دواب الأرض تقول : نمنع المطر بخطاياهم والتوبة من الذنب واجبة فورا أمر بهذا الإمام ، أو لا ( ويخرجون ) أي الناس مع الإمام ( إلى الصحراء ) بلا عذر تأسيا به صلى الله عليه وسلم ; ولأن الناس يكثرون فلا يسعهم المسجد غالبا ، وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين مكة وغيرها وإن استثنى بعضهم مكة وبيت المقدس لفضل البقعة وسعتها ; لأنا مأمورون بإحضار الصبيان ومأمورون بأنا نجنبهم المساجد ( في الرابع ) من ابتداء صومهم ( صياما ) لخبر { } ، ولأن الصوم معين على الرياضة والخشوع ، وينبغي له تخفيف أكله وشربه تلك الليلة ما أمكن ، وفارق ما هنا صوم يوم : ثلاثة لا ترد دعوتهم وعد منهم الصائم عرفة حيث لا يسن للحاج بأنه يجتمع عليه مشقة الصوم والسفر ، وبأن محل الدعاء ثم آخر النهار ، والمشقة المذكورة مضعفة حينئذ بخلافه هنا ، وقضية الفرقين أنهم لو كانوا هنا مسافرين وصلوا آخر النهار لا صوم عليهم ، بل قضية الأول ذلك أيضا وإن صلوا أول النهار .
وأجيب بأن الإمام لما أمر هنا صار واجبا ، قال الشيخ : وقد يقال ينبغي أن يتقيد وجوبه بما إذا لم يتضرر به المسافر ، فإن تضرر به فلا وجوب ; لأن الأمر به حينئذ غير مطلوب لكون الفطر أفضل ، ورده الوالد رحمه الله تعالى فقال : إن المعتمد طلب الصوم مطلقا كما اقتضاه كلام الأصحاب لما مر { } ويخرجون غير متطيبين ولا متزينين بل ( في ثياب بذلة ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة : أي مهنة من إضافة الموصوف إلى صفته : أي ما يلبس من الثياب في وقت الشغل ومباشرة الخدمة وتصرف الإنسان في بيته لأنه اللائق بحالهم وهو يوم مسألة واستكانة وبه فارق العيد . إن دعوة الصائم لا ترد
قال القمولي : ولا يلبس الجديد من ثياب البذلة أيضا ويتنظفون بالماء والسواك وقطع [ ص: 419 ] الروائح الكريهة لئلا يتأذى بعضهم ببعض ( و ) في ( تخشع ) أي تذلل مع سكون القلب والجوارح في مشيهم وجلوسهم وكلامهم وغير ذلك للاتباع . وعلم مما تقرر أن تخشع معطوف على ثياب لا على بذلة كما قيل ; لأنه حينئذ لم يكن فيه تعرض لصفتهم في أنفسهم والمقصودة التي ثياب البذلة وصلة لها ، وقد يقال بصحة عطفه على بذلة أيضا إذ ثياب التخشع غير ثياب الكبر والفخر والخيلاء لنحو طول أكمامها وأذيالها وإن كانت ثياب عمل وحينئذ فإذا أمروا بإظهار التخشع في ملبوسهم ففي ذواتهم من باب أولى . ويستحب لهم أخذا مما مر الخروج من طريق الرجوع في أخرى مشاة في ذهابهم إن لم يشق عليهم لا حفاة مكشوفي الرأس ، وقول المتولي : لو خرج أي الإمام أو غيره حافيا مكشوف الرأس لم يكره لما فيه من إظهار التواضع بعيد كما قاله الشاشي والأذرعي .