فصل
كمال المحبة
ثم الخلة وهي تتضمن كمال المحبة ونهايتها ، بحيث لا يبقى في القلب سعة لغير محبوبه ، وهي منصب لا يقبل المشاركة بوجه ما ، وهذا المنصب خاص للخليلين - صلوات الله وسلامه عليهما - : إبراهيم ومحمد ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا .
وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : . لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله
وفي حديث آخر : ولما سأل إني أبرأ إلى كل خليل من خلته إبراهيم عليه السلام الولد فأعطيه ، وتعلق حبه بقلبه ، فأخذ منه شعبة ، غار الحبيب على خليله أن يكون في قلبه موضع لغيره ، فأمره بذبحه ، وكان الأمر في المنام ليكون [ ص: 191 ] تنفيذ المأمور به أعظم ابتلاء وامتحانا ، ولم يكن المقصود ذبح الولد ، ولكن المقصود ذبحه من قلبه ؛ ليخلص القلب للرب ، فلما بادر الخليل عليه الصلاة والسلام إلى الامتثال ، وقدم محبة الله على محبة ولده ، حصل المقصود فرفع الذبح ، وفدي بذبح عظيم ، فإن الرب تعالى ما أمر بشيء ، ثم أبطله رأسا ، بل لا بد أن يبقي بعضه أو بدله ، كما أبقى شريعة الفداء ، وكما أبقى استحباب الصدقة بين يدي المناجاة ، وكما أبقى الخمس الصلوات بعد رفع الخمسين وأبقى ثوابها ، وقال : " ولا يبدل القول لدي ، هي خمس في الفعل ، وهي خمسون في الأجر " .