فصل
المعاصي تجرئ على الإنسان أعداءه
[ ص: 89 ] ومن عقوباتها : أنها تجرئ على العبد ما لم يكن يجترئ عليه من أصناف المخلوقات ، فتجترئ عليه الشياطين بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين ، وإنسائه ما به مصلحته في ذكره ، ومضرته في نسيانه ، فتجترئ عليه الشياطين حتى تؤزه في معصية الله أزا .
وتجترئ عليه شياطين الإنس بما تقدر عليه من الأذى في غيبته وحضوره ، ويجترئ عليه أهله وخدمه وأولاده وجيرانه حتى الحيوان البهيم .
قال بعض السلف : إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابتي .
وكذلك يجترئ عليه أولياء الأمر بالعقوبة التي إن عدلوا فيها أقاموا عليه حدود الله ، وتجترئ عليه نفسه فتتأسد عليه وتصعب عليه ، فلو أرادها لخير لم تطاوعه ولم تنقد له ، وتسوقه إلى ما فيه هلاكه ، شاء أم أبي .
وذلك لأن الطاعة حصن الرب تبارك وتعالى الذي من دخله كان من الآمنين ، فإذا فارق الحصن اجترأ عليه قطاع الطريق وغيرهم ، وعلى حسب اجترائه على معاصي الله يكون اجتراء هذه الآفات والنفوس عليه ، وليس له شيء يرد عنه . فإن ذكر الله وطاعته والصدقة وإرشاد الجاهل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وقاية ترد عن العبد ، بمنزلة القوة التي ترد المرض وتقاومه ، فإذا سقطت القوة غلب وارد المرض فكان الهلاك ، فلابد للعبد من شيء يرد عنه ، فإن موجب السيئات والحسنات تتدافع ويكون الحكم للغالب كما تقدم ، وكلما قوي جانب الحسنات كان الرد أقوى كما تقدم ، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا ، والإيمان قول وعمل ، فبحسب قوة الإيمان يكون الدفع ، والله المستعان .