المعاصي تذهب الحياء
الذي هو مادة حياة القلب ، وهو أصل كل خير ، وذهابه ذهاب الخير أجمعه . ومن عقوباتها : ذهاب الحياء
وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الحياء خير كله .
وقال : وفيه تفسيران : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت
أحدهما : أنه على التهديد والوعيد ، والمعنى من لم يستح فإنه يصنع ما شاء من القبائح ، إذ الحامل على تركها الحياء ، فإذا لم يكن هناك حياء يردعه عن القبائح ، فإنه يواقعها ، وهذا تفسير أبي عبيدة .
والثاني : أن الفعل إذا لم تستح منه من الله فافعله ، وإنما الذي ينبغي تركه هو ما يستحى منه من الله ، وهذا تفسير الإمام أحمد في رواية ابن هانئ .
فعلى الأول : يكون تهديدا ، كقوله : اعملوا ما شئتم [ سورة فصلت : 40 ] .
وعلى الثاني : يكون إذنا وإباحة .
فإن قيل : فهل من سبيل إلى حمله على المعنيين ؟ [ ص: 69 ] قلت : لا ، ولا على قول من يحمل المشترك على جميع معانيه ، لما بين الإباحة والتهديد من المنافاة ، ولكن اعتبار أحد المعنيين يوجب اعتبار الآخر .
والمقصود أن الذنوب تضعف الحياء من العبد ، حتى ربما انسلخ منه بالكلية ، حتى إنه ربما لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ولا باطلاعهم عليه ، بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعل ، والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء ، وإذا وصل العبد إلى هذه الحالة لم يبق في صلاحه مطمع
وإذا رأى إبليس طلعة وجهه حيا وقال : فديت من لا يفلح
والحياء مشتق من الحياة ، والغيث يسمى حيا - بالقصر - لأن به حياة الأرض والنبات والدواب ، وكذلك سميت بالحياء حياة الدنيا والآخرة ، فمن لا حياء فيه فهو ميت في الدنيا شقي في الآخرة ، وبين الذنوب وبين قلة الحياء وعدم الغيرة تلازم من الطرفين ، وكل منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا ، ومن استحى من الله عند معصيته ، استحى الله من عقوبته يوم يلقاه ، ومن لم يستح من معصيته لم يستح الله من عقوبته .