فصل
المعاصي تعمي البصيرة
ومن عقوباتها : أنها . تعمي بصيرة القلب ، وتطمس نوره ، وتسد طرق العلم ، وتحجب مواد الهداية
[ ص: 78 ] وقد قال مالك لما اجتمع به ورأى تلك المخايل : إني أرى الله تعالى قد ألقى على قلبك نورا ، فلا تطفئه بظلمة المعصية . للشافعي
ولا يزال هذا النور يضعف ويضمحل ، وظلام المعصية يقوى حتى يصير القلب في مثل الليل البهيم ، فكم من مهلك يسقط فيه ولا يبصر ، كأعمى خرج بالليل في طريق ذات مهالك ومعاطب ، فيا عزة السلامة ويا سرعة العطب ، ثم تقوى تلك الظلمات ، وتفيض من القلب إلى الجوارح ، فيغشى الوجه منها سواد ، بحسب قوتها وتزايدها ، فإذا كان عند الموت ظهرت في البرزخ ، فامتلأ القبر ظلمة ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم : . إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة ، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم
فإذا كان يوم المعاد ، وحشر العباد ، علت الظلمة الوجوه علوا ظاهرا يراه كل أحد ، حتى يصير الوجه أسود مثل الحممة ، فيالها من عقوبة لا توازن لذات الدنيا بأجمعها من أولها إلى آخرها ، فكيف بقسط العبد المنغص المنكد المتعب في زمن إنما هو ساعة من حلم ؟ والله المستعان .