هذا أيضا من النمط الأول ، مما ينكر لفظه وإطلاقه غاية الإنكار ، ويجب على أهل الإيمان محو هذا اللفظ القبيح ، وإطلاقه في حق الأنبياء ، وكيف تتسع مسامع المؤمن ليسمع أن الأنبياء لبسوا على الناس بأي اعتبار كان ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم ! بل الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - كشفوا عن الناس التلبيس الذي لبسوه على أنفسهم ، ولبسه عليهم طواغيتهم ، فجاءوا بالبيان والبرهان وشياطينهم .
وكان الناس في لبس عظيم فجاءوا بالبيان فأظهروه وكان الناس في جهل عظيم
فجاءوا باليقين فأذهبوه وكان الناس في كفر عظيم
فجاءوا بالرشاد فأبطلوه
فهذه الدرجة تتضمن الرجوع إلى الأسباب رحمة وتوسيعا ، مع الانقطاع عن الالتفات إليها ، والوقوف معها تجريدا وتوحيدا .
قوله " لا لأنفسهم " يعني : أن أمرهم بالأسباب إحسانا إليهم ، وتوسيعا عليهم ، لا لحظ الآمر ، وجر النفع إلى نفسه ، بل لقصد الإحسان إلى الخلق ، وحصول النفع لهم ، وهذا قريب ، مع أن فيه ما فيه لمن تأمله ، فإن من أمر غيره بمصلحة وقصد نفعه : فبنفسه يبدأ ، ولها ينفع أولا ، ومصلحتها لابد أن تكون قد حصلت قبل مصلحة المأمور ، والإحسان إلى نفسه قصد بإحسانه إلى غيره ، فإنه عبد فقير محتاج ، والله وحده هو الغني بذاته ، الذي يحسن إلى خلقه لا لأجل معاوضة منهم ، وأما المخلوق : فإنه يريد العوض لكن الأعواض تتفاوت ، ومن يطلب منه العوض يختلف .
والمقصود : أن قوله " لا لأنفسهم " ليس على إطلاقه ، وفي أثر إلهي " ابن آدم ، كل يريدك لنفسه ، وأنا أريدك لك " .
قوله : " ثم هي للأئمة الربانيين ، الصادرين عن وادي الجمع " ، يعني : الذين فنوا في الجمع ، ثم حصلوا في البقاء بعد الفناء ، فذلك صدورهم عن وادي الجمع .
قوله : " المشيرين عن عينه " ، يعني : الذين إذا أشاروا أشاروا عن عين لا عن علم ، فإن الإشارة تختلف باختلاف مصدرها ، فإشارة عن علم وإشارة عن كشف ، وإشارة عن شهود ، وإشارة عن عين .