فصل
قال : . وهو سرور يمحو آثار الوحشة . ويقرع باب المشاهدة . ويضحك الروح . الدرجة الثالثة : سرور سماع الإجابة
قيد الشيخ السماع : بكونه سماع إجابة فإنه السماع المنتفع به ، لا مجرد سماع الإدراك . فإنه مشترك بين المجيب والمعرض . وبه تقوم الحجة وينقطع العذر . ولهذا قال الله عن أصحابه سمعنا وعصينا وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - - لليهودي الذي سأله عن أمور الغيب - : ينفعك إن حدثتك ؟ قال : أسمع بأذني .
وأما سماع الإجابة : ففي مثل قوله تعالى : وفيكم سماعون لهم أي مستجيبون لهم . وفي قوله : سماعون للكذب أي : مستجيبون له . وهو المراد . وهذا المراد بقول المصلي : سمع الله لمن حمده أي أجاب الله حمد من حمده . وهو [ ص: 160 ] السمع الذي نفاه الله عز وجل عمن لم يرد به خيرا . في قوله : ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم أي لجعلهم يسمعون سمع إجابة وانقياد . وقيل : المعنى لأفهمهم . وعلى هذا : يكون المعنى لأسمع قلوبهم . فإن سماع القلب يتضمن الفهم .
والتحقيق : أن كلا الأمرين مراد . فلو علم فيهم خيرا لأفهمهم ، ولجعلهم يستجيبون لما سمعوه وفهموه .
والمقصود : أن سماع الإجابة هو سماع انقياد القلب ، والروح ، والجوارح ، لما سمعته الأذنان .
قوله : ويمحو آثار الوحشة ، يعني : يزيل بقايا الوحشة التي سببها ترك الانقياد التام . فإنه على قدر فقد ذلك : تكون الوحشة . وزوالها إنما يكون بالانقياد التام .
وأيضا : فإنه يبقى على أهل الدرجة الثانية آثار . وهم أهل كشف حجاب العلم . فإنهم إذا انكشف عنهم حجاب العلم ، وأفضوا إلى المعرفة : بقيت عليهم بقايا من آثار الحجاب . فإذا حصلوا في هذه الدرجة : زالت عنهم تلك البقايا .
وقد يوجه كلامه على معنى آخر ، وهو : أنه إذا دعا ربه سبحانه . فسمع ربه دعاءه سماع إجابة ، وأعطاه ما سأله ، على حسب مراده ومطلبه ، أو أعطاه خيرا منه : حصل له بذلك سرور يمحو من قلبه آثار ما كان يجده من وحشة البعد . فإن للعطاء والإجابة سرورا وأنسا وحلاوة . وللمنع وحشة ومرارة . فإذا تكرر منه الدعاء ، وتكرر من ربه سماع وإجابة لدعائه : محا عنه آثار الوحشة . وأبدله بها أنسا وحلاوة .
قوله : ويقرع باب المشاهدة .
يريد - والله أعلم - مشاهدة حضرة الجمع التي يشمر إليها السالكون عنده . وإلا فمشاهدة الفضل والمنة : قد سبقت في الدرجتين الأولتين . وانتقل المشاهد لذلك إلى ما هو أعلى منه . وهو مشاهدة الحضرة المذكورة .
قوله " ويضحك الروح " يعني : أن سماع الإجابة يضحك الروح ، لسرورها بما حصل لها من ذلك السماع . وإنما خص الروح بالضحك : ليخرج به سرورا يضحك النفس والعقل والقلب . فإن ذلك يكون قبل رفع الحجاب الذي أشار إليه ، إذ محله النفس . فإذا ارتفع ومحا الشهود رسم النفس بالكلية : كان الإدراك حينئذ بالروح . فيضحكها بالسرور .
[ ص: 161 ] وهذا مبني على قواعد القوم في الفرق بين أحكام النفس والقلب والروح .
و " الفتح " عندهم نوعان : فتح قلبي ، وفتح روحي . فالفتح القلبي : يجمعه على الله ويلم شعثه ، والفتح الروحي : يغنيه عنه ، ويجرده منه ، وبالله التوفيق .