فصل منزلة اللحظ
ومن ذلك : منزلة اللحظ
قال شيخ الإسلام :
( باب اللحظ ) قال الله تعالى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني .
قلت : يريد - والله أعلم - بالاستشهاد بالآية : أن الله سبحانه أراد أن يري موسى - صلى الله عليه وسلم - من كمال عظمته وجلاله ما يعلم به أن القوة البشرية في هذه الدار لا تثبت لرؤيته ومشاهدته عيانا . لصيرورة الجبل دكا عند تجلي ربه سبحانه أدنى تجل .
كما رواه في تفسيره من حديث ابن جرير : أخبرنا حماد بن سلمة ثابت أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا قال حماد : هكذا - ووضع الإبهام علىمفصل الخنصر الأيمن - فقال حميد لثابت : أتحدثبمثلي هذا ؟ فضرب ثابت صدر حميد ضربة بيده . وقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث به ، وأنا لا أحدث به ؟ رواه عن الحاكم في [ ص: 100 ] صحيحه وقال : هو على شرط مسلم . وهو كما قال .
والمقصود : أن الشيخ استشهد بهذه الآية في باب اللحظ لأن الله سبحانه أمر موسى أن ينظر إلى الجبل حين تجلى له ربه . فرأى أثر التجلي في الجبل دكا . فخر موسى صعقا .
قال الشيخ : " اللحظ : لمحمسترق " الصواب قراءة هذه الكلمة على الصفة بالتخفيف . فوصف اللمح بأنهمسترق كما يقال : سارقته النظر . وهو لمح بخفية ، بحيث لا يشعر به الملموح .
ولهذاالاستراق أسباب . منها : تعظيم الملموح وإجلاله . فالناظريسارقه النظر . ولا يحد نظره إليه إجلالا له . كما كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحدون النظر إليه إجلالا له . وقال لم أكن أملأ عيني منه إجلالا له . ولو سئلت أن أصفه لكم لما قدرت . لأني لم أكن أملأ عيني منه . عمرو بن العاص
ومنها : خوف اللامح سطوته . ومنها محبته . ومنها الحياء منه . ومنها ضعف القوة الباصرة عن التحديق فيه . وهذا السبب هو السبب الغالب في هذا الباب .
ويجوز أن تقرأ بكسر الراء وتشديد القاف . أي نظرا يسترق صاحبه . أي يأسر قلبه ويجعله رقيقا - أي عبدا مملوكا للمنظور إليه - لما شاهد من جماله وكماله ، فاسترق قلبه . فلم يكن بينه وبين رقه له إلا مجرد وقوع لحظه عليه .
فهكذا صاحب هذه الحال إذا لاحظ بقلبه جلال الربوبية . وكمال الرب سبحانه ، وكمال نعوته ، ومواقع لطفه وفضله وبره وإحسانه : استرق قلبه له وصارت له عبودية خاصة .