فصل
قال صاحب المنازل :
[ ص: 71 ] . الوجد : لهب يتأجج من شهود عارض القلق
لما كان الوجود أعلى من الوجد جعل سبب الوجد شهودا عارضا . وجعل الوجود نفس الظفر بالشيء ، كما سيأتي . وإنما أوجب اللهب لأن صاحبه لما شهد محبوبه : أورثه ذلك لهيب القلب إليه ، ولما لم يظفر به أورثه القلق . فلذلك جعله لهيبا مقلقا .
قال : وهو . على ثلاث درجات . أبقى على صاحبه أثرا أو لم يبق . الدرجة الأولى : وجد عارض يستفيق له شاهد السمع ، أو شاهد البصر ، أو شاهد الفكر
قوله " وجد عارض " أي متجدد . ليس بلازم " يستفيق له شاهد السمع " أي ينتبه السمع من سنته لوروده عليه . وهذا إذا كان المنبه له خطابا من خارج أو من نفسه . وأما " إفاقة شاهد البصر " فلما يراه ويعاينه من آيات الله . فينتقل منها إلى ما نصبت آية له وعليه . وأما " إفاقة شاهد الفكر " ففيما يفتح له من المعاني التي أوقعه عليها فكره وتأمله .
وهذه الشواهد الثلاثة التي دعا الله سبحانه عباده إلى تبينها والاستشهاد بها وقبول الحق الذي تشهد به وترتيب حكم هذه الشهادة عليها ، من التوحيد والإقرار والإيمان . قال الله تعالى أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وقال أفلم يدبروا القول وقال أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها وقال قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وقال أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وقال وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون والقرآن مملوء من هذا .
فإذا استفاق شاهد السمع والبصر والفكر ، ووجد القلب حلاوة المعرفة [ ص: 72 ] والإيمان : خرج من جملة النيام الغافلين .
قوله " أبقى على صاحبه أثرا أو لم يبق " يعني : أن ذلك الوجد العارض قد يبقي على واجده أثرا من أحكامه بعد مفارقته . وقد لا يبقي . والظاهر : أنه لا بد أن يبقي أثرا ، لكن قد يخفى وينغمر بما يعقبه بعده ، ويخلفه من أضداده .