( باب ما جاء في ) خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
في القاموس : الخضاب ككتاب ما يختضب به أي يلون به ، وفي الشروح أن الخضاب كالخضب بالفتح مصدر بمعنى التلوين ، ولا يخفى أن هذا أنسب بالباب ; لأن معظمه في هذا المعنى ، وإنما جاء حديث واحد يناسب الأول مع أنه من لازم ذلك المعنى ، فقول ابن حجر : إن جعله مصدرا بعيد في غاية من البعد ، ثم في الباب أربعة أحاديث .
( حدثنا ، أخبرنا أحمد بن منيع هشيم ) : بضم ففتح ، أخرج حديثه الستة . ( أخبرنا ) : بالتصغير . ( عن عبد الملك بن عمير ) : بفتح فكسر . ( قال : أخبرني إياد ) : بكسر الهمزة . ( بن لقيط أبو رمثة ) : بكسر فسكون . ( قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابن لي ) : ظرف لغو لأتيت ، وفي بعض النسخ " معي " بسكون الياء وفتحها " ابن لي " برفع ابن ، والجملة حال من فاعل أتيت لكنه اكتفى بالضمير ، وأما قول ابن حجر " مع ابن لي " حال ، أي كائنا معه فغير صحيح كما هو ظاهر . ( فقال ) : أي رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( ابنك هذا ؟ ) : مبتدأ وخبر ، وهمزة الاستفهام محذوفة وأظهرت في رواية أخرى ، وأما قول العصام : ولفتح الهمزة مساغ فيغني عن حذف الهمزة . فغفلة عن قاعدة المحدثين من أن الرواية مقدمة على الدراية ، ولذا قيل : ثبت العرش ثم انقش ، وفي تأخير هذا إشكال لأن الظاهر أن السؤال إنما هو عن ابنه هذا ، والمطابق له " أهذا ابنك ؟ " لا عن هذية ابنه المطابق له ما في المتن ، وأجيب بأن هذا مبتدأ مؤخر بقرينة السياق الشاهدة بأن السؤال إنما هو عن الأول وبأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم سمع أن له ابنا ، فكان المطلوب هذية الابن المعهود ، ولذا قال : " ابنك هذا " أي المعهود ذهنا . ( فقلت : نعم ) : الرواية بفتحتين وقرئ في السبعة بكسر العين ، وحكي في اللغة بكسرها . ( أشهد به ) : هذه جملة مقررة لقوله " نعم " قال ميرك : يروى بصيغة الأمر من الثلاثي المجرد أي كن شاهدا على اعترافي بأنه ابني من صلبي ، وفي بعض النسخ بصيغة المتكلم من المجرد أيضا ، أي أقر به وأعترف بذلك ، انتهى . فقول الحنفي روي على صيغة المضارع المتكلم وحده ، وعلى صيغة الأمر أيضا من الشهادة أو من الشهود بناء على زعمه وإلا فليس له رواية من غير طريق ميرك ، أو بناء على وهمه من عدم فرقه بين النسخة وبين الرواية ، ثم من العجب أنه قدم النسخة على الرواية ، وهذا يدل على عدم ضبط أصل له أصلا ، وأما قوله : من الشهود مع أنه لا طائل تحته من المعنى . فقد ردهالعصام بقوله : وجعله من الشهود بمعنى الحضور مردود بأنه متعد ، يقال شهده أي حضره على ما في القاموس ، ثم لما كانت هذه الجملة لبيان أنه ملتزم لجنايته على ما اعتاده الجاهلية من مؤاخذة الوالد وولده بجناية الآخر وقد أبطله الشرع بقوله عز وجل : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ ص: 119 ] . ( قال ) : أي صلى الله عليه وسلم . ( ) : أي لا يؤخذ هذا بذنبك ولا تؤخذ أنت بذنبه ، قال لا يجني عليك ولا تجني عليه ميرك : ومثله قوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر : " " ، وعند ألا لا يجني جان على ولده ولا مولود على والده أحمد من هذا الطريق قال : " " . ومن طريق ابنك هذا ؟ " فقلت : إي ورب الكعبة ، قال : " ابن نفسك ؟ " قلت : أشهد به ، قال : " فإنه لا يجني عليك ولا تجني عليه ثابت بن منقذ ، ابن أبي رمثة قال : انطلقت مع أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي : " ابنك هذا ؟ " قال : إي ورب الكعبة ، قال : " حقا ؟ " قال : أشهد به ، قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا من تبين شبهي في أبي ومن حلف أبي ، ثم قال : " أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه " قال : وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ، انتهى . وبهذا يظهر لك بطلان قول من قال بالاحتمال العقلي المخالف للدليل النقلي ، يمكن أن يكون دعاء لهما أو يكون إخبارا عن الغيب . ( قال ) : أي عن أبو رمثة إعادة لفصل الكلام ولئلا يتوهم رجوع ضميره إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي بعض النسخ لم يوجد كلمة " قال " . ( ورأيت الشيب أحمر ) : أي لقربه من البياض أو بسبب الخضاب ، وهو المناسب للباب ويؤيده كلام ميرك ، وتقدم في الباب الذي قبله بلفظ " وشيبه أحمر " زاد الحاكم من هذا الوجه " وشيبه أحمر مخضوب بالحناء " ، ولأبي داود من حديثه : " ، وعند وكان قد لطخ لحيته بالحناء أحمد : . وفي رواية : فإذا رجل له وفرة بها ردع من حناء . وأخرج فرأيت برأسه ردع حناء في كتاب الوفاء من طريق ابن الجوزي غيلان بن جامع ، عن ، إياد بن لقيط أبي رمثة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالحناء والكتم . وهذه الرواية صريحة في خضابه صلى الله عليه وسلم . ( قال أبو عيسى ) : هكذا وقع في النسخ المسموعة المصححة فيحتمل أن يكون من كلام المصنف بناء على غلبة كنيته على اسمه إذ التكنية عن صاحبها غير متعارف وهو في ذلك تبع لشيخه ومقتداه وهو الإمام عن ، حيث عبر في صحيحه وسائر تصانيفه أيضا عن نفسه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري بأبي عبد الله ، ويحتمل احتمالا بعيدا أن ذلك من صنع التلامذة ، ذكره ميرك شاه ، وقال العصام : لم يقل " قلت " لئلا يشتبه بقلت سابقا ، ولم يقل " قال " بالإضمار لخفاء المرجع والاشتباه بقال سابقا . فمن قال : هو مدرج عن راوي الكتاب فكأنه بعد عن الصواب ، قلت : كلامه مع بعده أقرب من التعليلين المذكورين والتأويلين المسطورين ، وقد تقدم تحقيق توجيه كلامه في أول الكتاب ، والله أعلم بالصواب . ( هذا ) : أي هذا الحديث . ( أحسن شيء ) : أي أرجح حديث . ( روي في هذا الباب ) : أي باب الخضاب . ( وأفسر ) : من الفسر بالفاء والسين المهملة أي الكشف والبيان فالمعنى أنه أوضح رواية وأظهر دلالة . ( لأن الروايات الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الشيب ) : أي لم يصله ولم يظهر البياض في شعره كثيرا بحيث يحتاج إلى الخضاب ، فينبغي أن يفسر شيبه بالحمرة على ما بينه أبو رمثة ، قال ميرك : وأشار المصنف بهذا الكلام إلى أن الروايات المصرحة بالخضاب في طريق حديث أبي رمثة لم تصح عنده أو هي مؤولة كما سيجيء ، انتهى . يعني اشتبه عليه حمرة الشيب بحمرة الخضاب ، هذا وقد قالابن حجر : [ ص: 120 ] كذا قيل وليس بظاهر ; لأن الترمذي قائل بالخضاب بدليل سياقه لأحاديثه الآتية ، ولأن هذا لو كان مراده لم يسق هذا الحديث في هذا الباب أصلا بل كان يقتصر على سياقه في الباب قبله فإن في الحديث ، ثم ذكر كونه أحمر أيضا فكان الاقتصار عليه ثم أولى ، وذكر كونه أحمر لا يضره لأن المراد حمرته الذاتية التي هي مقدمة للشيب فذكره له بتمامه في البابين يدل على أن له مناسبة بكل منهما وهي أن فيها إثبات الشيب وهو المناسب للباب السابق وأنه كان أحمر بالخضاب وهو المناسب لهذا الباب ، وأما الروايات الصحيحة أنه لم يشب فمعناها لم يكثر شيبه مع أنه كان يستره بالحمرة في بعض الأحيان ، انتهى . وهو كلام حسن لكن فيه أنه لا دلالة على أن الترمذي قائل بالخضاب لإمكان ترجيح عدمه عنده بل هو ظاهر من قوله هذا ، والله أعلم ، ووقع لبعض الشراح هنا اضطراب وتردد لا ينبغي أن يلتفت إليه ومنشؤه عدم اطلاع قواعد هذا الفن لديه ، وقد قال العصام بالرد البليغ عليه ، هذا وقد وقع في بعض النسخ . ( أبو رمثة اسمه رفاعة ) : بكسر الراء وبالفاء . ( بن يثربي ) : نسبة إلى يثرب وهو من أسماء الجاهلية للمدينة . ( التيمي ) : بالرفع ويجوز جره نسبة إلى تيم قبيلة ، وقد تقدم تحقيقه ، ولا شك هذا من قول المصنف ، قال العصام : والأظهر أنه أيضا مقول قول أبي عيسى ، لكن وجه تأخيره إلى هذا الحديث وعدم ذكره فيما تقدم خفي ، انتهى . وهو مأخوذ من كلام الحنفي حيث قال : والمناسب أن يذكر هذا الكلام في الباب السابق . أقول : ولعل وجهه أن الحديثين لما كان مآلهما واحدا فالمناسب أن يذكر اسمه ونسبه بعد تمام كلامه وفراغ مرامه .