( باب ما جاء في ) صفة إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإزار بالكسر الملحفة ، ويؤنث كذا في القاموس ، والمراد هنا ما يستر أسفل البدن ، ويقابله الرداء ، وهو ما يستر أعلى البدن ، ولعل حذفه في العنوان من باب الاكتفاء ، كقوله تعالى : سرابيل تقيكم الحر أي : والبرد ، وذكر في الوفاء بإسناده عن ابن الجوزي ، قال : عروة بن الزبير كان طول رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أذرع ، وعرضه ذراعين ونصفا ، ونقل ابن القيم عن الواقدي أن رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم برد طوله ستة أذرع في ثلاثة أذرع وشبر ، وإزاره من نسج عمان طوله أربعة أذرع وشبر في ذراعين .
( حدثنا حدثنا أحمد بن منيع إسماعيل بن إبراهيم حدثنا ( عن أيوب ) أي : السختياني ) روى عنه الستة ( عن حميد بن هلال أبي بردة ) قيل : اسمه عامر وهو تابعي كوفي ، كان على قضاء الكوفة بعد شريح ، فعزله الحجاج وهو جد الإمام في الكلام ، وفي أصل أبي الحسن الأشعري العصام عن أبيه أي الصحابي المشهور ، قال : وفي أكثر الأصول ليس فيه عن أبيه وبذلك لا يصير الحديث مرسلا لأن أبي موسى الأشعري أبا بردة كما أنه يروي عن أبيه يروي عن عائشة انتهى . وفيه أنه غير موجود في أصلنا المقابل بأصل السيد ميرك شاه وغيره ، وكذا في سائر النسخ الحاضرة ، مع أن وجوده لو صح لوجب أن يصير الحديث منقطعا إلا إن ثبت أنه سمعه من عائشة أيضا ، وإلا فمجرد روايته عنها لا يجعل الحديث متصلا ، كما حقق في الأصول ( قال ) أي أبو بردة ( أخرجت إلينا عائشة ) أي إما بنفسها أو بأمرها ( كساء ) بكسر الكاف ثوب معروف على ما في القاموس ، والمراد هنا رداء ( ملبدا ) بتشديد الموحدة المفتوحة أي مرقعا ، يقال : لبدت الثوب إذا رقعته وقيل : التلبيد جعل بعضه ملتزقا ببعض كأنه زال وطاءته ولينه ، لتراكم بعضه على بعض ; ولذا قال الحنفي في معناه أي مرقعا صار كاللبد واستبعده العصام ، وقال : إنه أبعد ، مع أن قوله أقرب ، ففي شرح مسلم للنووي : الملبد المرقع ، وقيل : هو الذي ثخن وسطه حتى صار كاللبد ، وقال العسقلاني : قال ثعلب : يقال للرقعة التي يرقع بها القميص لبدة ، وقال غيره : هي التي يضرب بعضها في بعض حتى يتراكب ويجتمع ، وقال الجزري : الظاهر أن المراد باللبد هنا الذي ثخن وسطه ، وصفق لكونه كساء ، لم يكن قميصا كذا ذكره ميرك شاه ( وإزارا غليظا ) أي خشنا ( فقالت ) أي دفعا لتوهم أن هذا اللبس كان في أول أمره قبل أن [ ص: 211 ] يوسع الله عليه بفتحه ونصره ( قبض ) بصيغة المجهول والقابض معلوم أي أخذ ( روح رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين ) أي تواضعا وانكسارا وعبودية وافتقارا ، وإجابة لدعائه مرارا اللهم أحيني مسكينا ، وأمتني مسكينا ، وهذا الحديث أخرجه أيضا ، وفي رواية " البخاري " ، مما يصنع إزارا غليظا باليمن ، وكساء من هذه التي تدعونه الملبدة ، وهذه الرواية تفيد معنى ثالثا لـ " ملبدا " ، وهو أنه صفة كاشفة لكساء ، وأن التلبيد في أصل النسج دون الترقيع ، مع أنه لا منع من الجمع ، قال النووي : هذا الحديث وأمثاله يبين ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهادة في الدنيا ولذاتها ، والإعراض عن أعراضها وشهواتها ، حيث اختار لبسهما ، واجتزأ بما يحصل منه أدنى الكفاية بهما ، انتهى .
وفيه دليل على أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر ، ويرد على من قال أنه صلى الله عليه وسلم صار غنيا في آخر عمره ، ونهاية أمره ، نعم . ظهر له الملك والغنى ، ولكن اختار الفقر والفناء ; ليكون متبعا لجمهور الأنبياء ، ومتبعا لخلاصة الأولياء والأصفياء .