( باب ) ما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام
أي أكله ، وفي نسخة عند الطعام ، والمراد به التسمية ( وبعد ما يفرغ منه ) أي من الطعام ، كما في نسخة ، والمراد به الحمد ( حدثنا ، كما في نسخة ( حدثنا قتيبة ) أي ابن سعيد ابن لهيعة ) بفتح فكسر واسمه عبد الله ( عن بالتصغير ( عن يزيد بن أبي حبيب ) واسمه سويد راشد بن جندل اليافعي ) نسبة إلى موضع أو إلى قبيلة من رعين على ما في القاموس ( عن حبيب بن أوس عن أبي أيوب الأنصاري ) أي الخزرجي ، واسمه خالد بن زيد ، وكان مع في حروبه كلها ، ومات علي بن أبي طالب بالقسطنطينية مرابطا سنة إحدى وخمسين ، وذلك مع لما أعطاه أبوه يزيد بن معاوية القسطنطينية خرج [ ص: 286 ] معه فمرض ، فلما ثقل قال لأصحابه إذا أنا مت فاحملوني ، فإذا صادفتم العدو فادفنوني تحت أقدامكم ، ففعلوا ودفنوه قريبا عن سورها ، وهو معروف إلى اليوم معظم يستشفعون به فيشفعون ، فكأنه إشارة إلى أن من تواضع لله رفعه الله ، روى عنه جماعة ( قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقرب ) أي إليه كما في نسخة ( طعام فلم أر طعاما كان أعظم بركة منه ، أول ما أكلنا ) أي في أول وقت أكلنا فما مصدرية ، وأول منصوبة على الظرفية ، ويدل عليه قوله : ( ولا أقل بركة ) أي منه ( في آخره ) أي في آخر وقت أكلنا إياه ( قلنا : يا رسول الله كيف هذا ) أي بين لنا الحكمة والسبب في حصول عظمة البركة وكثرتها في أول أكلنا هذا الطعام ، وقلتها في الآخر ، وانعدام البركة منه ( قال : إنا ذكرنا اسم الله تعالى حين أكلنا ) فيه إشعار إلى أن سنة التسمية تحصل ببسم الله ، وأما زيادة الرحمن الرحيم ، فهي أكمل كما قاله الغزالي والنووي وغيرهما ، وإن اعترضه بعض المحدثين بأنه لم ير لأفضلية ذلك دليلا خاصا ، وتندب حتى للجنب والحائض والنفساء ، إن لم يقصدوا بها قرآنا وإلا حرمت ، قال ابن حجر : ولا تندب في مكروه ، ولا حرام بل لو سمى على خمر كفر ، على ما فيه ، كما هو مبين في محله ( ثم قعد من ، فأكل معه الشيطان ) أي فانعدم بركته بسرعة ، وأكل الشيطان محمول على حقيقته عند جمهور العلماء سلفا وخلفا ; لإمكانه شرعا وعقلا ، ثم اعلم أن أكل ولم يسم الله تعالى الطيبي نقل عن النووي أن قال : لو سمى واحد في جماعة يأكلون لكفى ذلك ، وسقط عن الكل ، ثم قال : فتنزيله على هذا الحديث أن يقال معنى قوله : صلى الله عليه وسلم قعد ، أي بعد فراغنا من الطعام ، ولم يسم ، أو يقال : أن شيطان هذا الرجل جاء معه ، فلم تكن تسميتنا مؤثرة فيه ، ولا هو سمى يعني لتكون تسميته مانعة من أكل شيطانه معه ، قال الشافعي ميرك : وأنت خبير بأن التوجيه الأول خلاف ظاهر الحديث ، إذ كلمة ثم لا تدل إلا على تراخي قعود الرجل عن أول اشتغالهم بالأكل ، وأما على تراخيه عن فراغهم من الأكل كما ادعاه فلا .
وأما التوجيه الثاني فحسن ، لكن ليس صريحا في دفع التناقض بين الحديث ، وبين ما قاله ، فالأولى ما يقال كلام الشافعي محمول على أنه مخصوص بما إذا اشتغل جماعة بالأكل معا ، وسمى واحد منهم ، فحينئذ تسمية هذا الواحد تجزئ عن البواقي من الحاضرين ، لا عن شخص لم يكن حاضرا معهم وقت التسمية ، إذ المقصود من التسمية عدم تمكن الشيطان من أكل الطعام مع الآكل من الإنسان ، فإذا لم يحضر إنسان وقت التسمية عند الجماعة ، لم تؤثر تلك التسمية في عدم تمكن شيطان ذلك الإنسان من الأكل معه ، تأمل .
الشافعي