( حدثنا حدثنا محمود بن غيلان أبو أحمد حدثنا ذكره سفيان ) أي : الثوري ميرك ( عن عن عطاء بن السائب عكرمة عن قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنة له تقضي ) بفتح التاء وكسر الضاد أي : تريد أن تموت من القضاء بمعنى الموت ، وقيل أصل قضى مات فاستعماله هنا للإشراف على الموت مجاز وقال ابن عباس الأزهري : القضاء مرجعه إلى انقطاع الشيء وتمامه ( فاحتضنها ) أي : جعلها في حضنه بالكسر أي : جنبه ، وهو ما دون الإبط إلى الكشح ، وبه سميت الحاضنة ، وهي التي تربي الطفل ، لأن المربي والكافل يضم الطفل إلى حضنه ، والحضانة بالفتح فعلها كذا في النهاية ( فوضعها ) أي : بعد ساعة ( بين يديه فماتت وهي بين يديه وصاحت ) من الصيحة ، وفي بعض النسخ فصاحت ( أم أيمن ) وهي حاضنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومولاته ورثها من أبيه وأعتقها حين تزوج ، وزوجها خديجة لزيد مولاه فولدت له أسامة ، وتوفيت بعد عمر بعشرين يوما ، وقد شهدت أحدا وكانت تسقي الماء ، وتداوي الجرحى ، وشهدت خيبر وتفصيل ترجمتها في جامع الأصول ، ثم لما كان بكاؤها بصياح ورفع الصوت بالبكاء مع إشعاره بالجزع حراما على ما ذكره ابن حجر أنكر عليها ( فقال : يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - ) وهذا تفسير من التابعي ، والضمير في يعني راجع إلى ( أتبكين ) بهمزة الاستفهام الإنكاري ( عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وعدل إليه عن عندي ; لأنه أبلغ في الزجر ( فقالت ) أي : ابن عباس أم أيمن ظنا بأن مطلق البكاء جائز ( ألست أراك ) بفتح الهمزة أي : أبصرك وأشاهدك ( تبكي ) حال ( قال : إني لست أبكي ) أي : بكاء على سبيل الجزع ، وعدم الصبر ، ولا يصدر عني ما نهى الله عنه من الويل ، والثبور والصياح ، ونحو ذلك ( إنما هي ) أي : البكاء والتأنيث باعتبار الدمعة أو قطرة الدمع أو الخبر ، وهو قوله ( رحمة ) أي : أثرها وزاد في الصحيحين جعلها الله في قلوب عباده الرحماء .
ولا ينافي هذا قول عائشة ما بكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ميت قط ، وإنما غاية حزنه أن يمسك لحيته [ ص: 152 ] لأن مرادها ما بكى على ميت أسفا عليه بل رحمة له ، ويؤيده ما ورد : إبراهيم لمحزونون إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا على فراقك يا ( إن المؤمن ) أي : الكامل ( بكل خير ) الباء للملابسة ( على كل حال ) ; لأنه يشهد المحنة عين المحنة ، فيحمد على المنة ، ولهذا قال ( إن نفسه ) أي : روحه ( تنزع ) بصيغة المفعول أي : تقبض ( من بين جنبيه وهو ) أي : والحال أنه ( يحمد الله تعالى ) ; فإنه مشغول حينئذ بالحق ، وعبادته بالرضاء على قضائه ، وإرادته والمعنى ينبغي أن يكون الكامل ملابسا بكل خير على كل حال من أحواله حتى إنه في نزع روحه يحمد الله تعالى ، ويراه من الله سبحانه رحمة له ، وكرامة وخيرا له من حياته ، فإن الموت تحفة المؤمن وهدية الموقن .
ثم اعلم أن رواية في هذا الحديث النسائي أم أيمن ، الحديث . فلما حضرت بنت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - صغيرة أخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضمها إلى صدره ثم وضع يده عليها فقبضت وهي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكت
قال ميرك : وهذا الحديث لا يخلو عن إشكال ; لأن المراد من قوله ابنة له ، وبنت له صغيرة إما بنته حقيقة كما هو ظاهر اللفظ ، فهو مشكل ; لأن أرباب السير ، والحديث والتواريخ أطبقوا على أن بناته - صلى الله عليه وسلم - كلهن متن في حالة الكبر ، وإما أن يراد إحدى بناته ، ويكون إضافتها إليه مجازية ، فهذا ليس ببعيد لكن لم ينقل أن ابنة إحدى بناته ماتت في حالة الصغر إلا ما وقع في مسند أحمد عن قال : أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد من بأمامة بنت أبي العاص زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي في النزع لكنه أشكل من حيث أن أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أن أمامة عاشت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تزوجها كرم الله وجهه بعد وفاة علي بن أبي طالب فاطمة ثم عاشت عند علي حتى قتل عنها ، ولذا حملوا رواية أحمد أنها أشرفت على الموت ثم عافاها الله تعالى ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإما أن يقال وقع وهم في هذا الحديث إما في قوله تقضي وقوله ، وهو يموت بين يديه ، والصواب ابنه وإذا كان كذلك ، فيحتمل أن يكون المراد به أحد بنيه إما القاسم ، وإما عبد الله وإما إبراهيم ; فإنهم ماتوا صغارا في حياته ، ويحتمل أن يكون المراد ابن بعض بناته ، وهو الظاهر ففي الأسباب الميلادي أن عبد الله بن عثمان من رقية بنته - صلى الله عليه وسلم - مات في حجره فبكى ، وقال : . إنما يرحم الله من عباده الرحماء
وفي مسند البزار عن قال : ثقل ابن أبي هريرة لفاطمة فبعث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث ، وفيه مراجعة في البكاء ، والابن المذكور هو سعد بن عبادة محسن بن علي وقد اتفق أهل العلم بالأخبار أنه مات صغيرا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا غاية التحقق في هذا الحديث ولم أر من تعرض لهذا ، وهو الهادي إلى سواء الطريق .