( حدثنا حدثنا محمد بن بشار أبو داود عن زهير ) بالتصغير ( يعني ابن محمد عن أبي إسحاق عن سعد ) وفي نسخة سعيد ( بن عياض ) بكسر أوله ( عن [ ص: 263 ] قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه ) بالتذكير وفي نسخة صحيحة بالتأنيث ( الذراع قال ) أي ابن مسعود ( وسم في الذراع ) إن كان من السم بمعنى إعطاء السم ، كان الأمر القائم مقام الفاعل ضميرا راجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أي أعطي النبي صلى الله عليه وسلم السم في الذراع ، وإن كان من السم بمعنى جعل السم في الطعام ، فذلك الأمر القائم مقامه هو في الذراع ، كذا حققه ابن مسعود الحنفي ، وقال ابن حجر : جعل فيه سم قاتل لوقته ، فأكل منه صلى الله عليه وسلم لقمة ثم أخبره جبريل بأنه مسموم ، فتركه .
ولم يضره ذلك السم يعني حينئذ ، وإلا فقد ثبت أنه كان يعود عليه أثره كل عام ، حتى مات به ، صلى الله عليه وسلم لزيادة حصول سعادة الشهادة ، ثم السم مثلث السين ، والضم أشهر ، وقال النووي : أفصحها الكسر ( وكان ) أي ( يرى ) على صيغة المجهول أي يظن على صيغة المعلوم ( أن ابن مسعود اليهود سموه ) أي أعطوا الرسول السم ، فالضمير المنصوب للرسول صلى الله عليه وسلم قيل الضمير للذراع ، لما تقدم أنه يذكر ويؤنث ، ثم إنما سمته امرأة من اليهود ، فنسب إليهم لرضاهم به ، قال ابن حجر : لأن المرأة التي سمته لم تسمه إلا بعد أن شاورت يهود خيبر في ذلك ، فأشاروا عليها به ، واختاروا لها ذلك السم القاتل ، وقد ، فعفا عنها بالنسبة لحقه ، فلما مات بعض أصحابه الذين أكلوا معه منها ، وهو دعاها صلى الله عليه وسلم ، وقال لها : ما حملك على ذلك ، فقالت : قلت : إن كان نبيا لم يضره السم ، وإلا استرحنا منه قتلها فيه ، وبهذا يجمع بين الأخبار المتعارضة في ذلك ، كخبر بشر بن البراء البخاري خيبر دعا اليهود ، فسألهم عن أبيهم ، فقالوا : فلان ، فقال : كذبتم بل أبوكم فلان فصدقوه ، ثم قال لهم : من أهل النار ؟ قالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها ، فقال : اخسئوا فيها فوالله لا نخلفكم فيها أبدا ، قال لهم : هل جعلتم في هذه الشاة سما ، قالوا : نعم . قال : ما حملكم على ذلك ، فذكروا نحو ما مر عن المرأة ، وكخبر أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح أبي داود ، وأكل معه رهط من أصحابه ، فقال النبي : ارفعوا أيديكم وأرسل إليها ، فقال : سممت هذه الشاة ، قالت : من أخبرك ، قال : هذه يعني الذراع ، قالت : نعم . قلت : إن كان نبيا لم يضره السم ، وإلا استرحنا منه ، فعفا عنها ، ولم يعاقبها أن يهودية سمت شاة مصلية ، ثم أهدتها إليه صلى الله عليه وسلم فأكل منها ، وتوفي أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم صلى الله عليه وسلم من أعلى كاهله ، من أجل الذي أكل من الشاة ، وكخبر الدمياطي جعلت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم تسأل أي الشاة أحب إلى محمد ، فيقولون : الذراع ، فعمدت إلى عنز لها فذبحتها ، وصلتها ثم عمدت إلى سم يقتل من ساعته ، وقد شاورت يهود في سموم ، فاجتمعوا لها على ذلك ، فسمت الشاة وأكثرت في الذراعين والكتف ، فوضعت بين يديه ومن حضر من أصحابه ، وفيهم ، وتناول صلى [ ص: 264 ] الله عليه وسلم الذراع فانتهس منها ، وتناول بشر بن البراء بشر عظما آخر ، فلما ازدرد صلى الله عليه وسلم لقمته ، ازدرد بشر ما في فيه ، وأكل القوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ارفعوا أيديكم ، فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة ، وفيه أن بشرا مات ، وأنه دفعها إلى أوليائه فقتلوها ، وفي رواية أنه لم يعاقبها ، وأجاب السهيلي بما مر أنه تركها أولا ; لأنه كان لا ينتقم لنفسه ، فلما مات بشر قتلها فيه ، وأبداه البيهقي احتمالا ، وعند أنها أسلمت ، فتركها ولا ينافي ما مر ; لأنه لما تركها لإسلامها ولكونه لا ينتقم لنفسه ، مات الزهري بشر فلزمها القصاص بشرطه ، فدفعها إلى أوليائه فقتلوها قصاصا ، أقول ويحتمل أنها لما أسلمت تركوا القصاص ، ثم إسلامها رواه في مغازيه ، وأنها استدلت بعدم تأثير السم فيه على أنه نبي ، ولعل هذا هو السر في أن سليمان التيمي جبريل والشاة ما أخبراه قبل تناوله صلى الله عليه وسلم منها ، لتظهر هذه المعجزة ، وليكون سببا لإسلام من أسلم ، وحجة على من عاند في كفره وتصمم .