( حدثنا ، كما في نسخة ، وأما نسخة قتيبة ) أي ابن سعيد ابن سعد بلا ياء فتحريف ( أخبرنا ) وفي نسخة صحيحة أنبأنا ، وفي نسخة حدثنا ( أبو الأحوص عن ( عن أبي إسحاق ) أي السبيعي مسلم بن نذير ) بضم نون وفتح ذال معجمة وسكون ياء فراء ، أخرج حديثه في الأدب المفرد ، البخاري والترمذي والنسائي ، وفي نسخة وابن ماجه يزيد بفتح تحتية ، وكسر زاي آخره دال مهملة ، ففي التقريب مسلم بن نذير مصغرا ، ويقال : ابن يزيد كوفي يكنى أبا عياض نقله ميرك ( عن ) بكسر النون بلا ياء ، كان حذيفة بن اليمان حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين والفتن ، أسلم هو وأبوه قبل بدر وشهدا أحدا وقتل أبوه في المعركة قتله المسلمون خطأ ، فوهب لهم دمه ( قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلة ساقي ) بفتح عين مهملة وضاد معجمة ، كل لحمة مجتمعة في عصب ، ففي النهاية على وزن طلحة ، وتبعه الحنفي واقتصر عليه ، وفي القاموس محركة ، وهو الموافق للأصول المصححة والنسخ المعتمدة ( أو ساقه ) شك من راوي حذيفة هل قال له حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بعضلة حذيفة ، أو أخذ بعضلة نفسه ، صلى الله عليه وسلم ذكره ابن حجر .
وقيل : الشك إما من مسلم بن نذير ، أو ممن دونه ، وأما أن يكون الشك من حذيفة فبعيد ، ويؤيده ما قال ميرك : الشك من الراوي ، ووقع في بعض الطرق بلفظ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أسفل من عضلة ساقي بغير شك ، انتهى . فاندفع ما قال العصام من أن الظاهر أن الشك من حذيفة ، ويتجه أن يكون من أحد الرواة ، ولا يتجه جزم الشارحين بأنه من الرواة انتهى . ولم أر من جزم به ، بل قالوا بترجيحه ، وأما ابن حجر مع كونه متأخرا عن العصام ، فلم يصرح بالجزم والقطع ( فقال ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( هذا ) أي العضلة والتذكير باعتبار تذكير الخبر وهو ( موضع الإزار ) أي موضعه اللائق به ( فإن أبيت ) أي امتنعت من قبول النصيحة المتضمنة للعمل بالأكمل والأفضل ، وأردت التجاوز عن العضلة ، ( فأسفل ) بالرفع أي فموضعه أسفل من العضلة قريبا منها إلى الكعبين ( فإن أبيت فلا حق ) أي فاعلم أنه لا حق ( للإزار في الكعبين ) أي في وصوله إليهما والمعنى إذا جاوز [ ص: 215 ] الإزار الكعبين فقد خالفت السنة ، وقال الحنفي : يجب أن لا يصل الإزار إلى الكعبين انتهى . وهو غير صحيح ; لأن حديث المخرج في أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال البخاري ، يدل على أن ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار جائز ، لكن ما أسفل منه ممنوع ; ولذا قال الإسبال إلى الكعبين النووي : القدر المستحب فيما ينزل إليه طرف الإزار هو نصف الساق ، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين ، وما نزل من الكعبين فإن كان للخيلاء فممنوع منع تحريم ، وإلا فمنع تنزيه ، فيحمل حديث حذيفة هذا على المبالغة في المنع من الإسبال إلى الكعبين ; لئلا ينجر إلى ما تحت الكعبين على وزان قوله صلى الله عليه وسلم : " " ، ويفهم منه بطريق الأولى أن الاسترخاء إلى ما وراء الكعبين أشد كراهة ، وينبغي أن يعلم أن في معنى الإزار القميص ، وسائر الملبوسات ، وإنما خص الإزار بالذكر بناء على القضية الاتفاقية ، أو خرج الكلام مخرج الغالب ، فإن غالب ملبوساتهم كان إزارا ، قال كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ميرك : ويستثنى من الإسبال من أسبله لضرورة كمن يكون بكعبه جرح يؤذيه الذباب مثلا ، إن لم يستره بإزاره وثوبه حيث لم يجد غيره نبه على ذلك العراقي مستدلا بإذنه صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف في لبس قميص الحرير من أجل حكة كانت بهما ، رواه والزبير بن العوام وفي رواية أنه رخص لهما فيه لما شكيا إليه القمل ، وجمع بأنه يحتمل أن العلتين كانتا بهما معا ، أو أحدهما بعد الأخرى ، أو أن الحكة نشأت عن القمل فنسبت العلة تارة للسبب ، وتارة للمسبب ، والجامع بينهما جواز تعاطي ما نهي عنهما شرعا لأجل الضرورة ، كما يجوز كشف العورة للتداوي . البخاري
واعلم أن نقل الإجماع على أن المنع من الإسبال في حق الرجال دون النساء ، لما ثبت في سنن القاضي عياضا وجامع النسائي الترمذي وصححه أن أم المؤمنين لما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم الوعيد في حق مسبل الإزار ، قالت : أم سلمة ، فالمقصود حصول الستر والمجاوزة عن الحد ممنوع ، إما كراهة أو تحريما ، فإذا لبست المرأة خفا أو ما في معناه فالظاهر أنه لا يجوز التجاوز عن القدم في حقهن ، وكذا جواز الإرخاء يكون باعتبار ثوب واحد للتستر ، فلا يتعدى إلى جميع الثياب ، والله أعلم بالصواب . كيف تصنع النساء بذيولهن ، فقال : يرخين شبرا فقالت : إذا تنكشف أقدامهن ، قال : فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه
قال ميرك : ظاهر بعض الأحاديث يقتضي أن تحريم إسبال الإزار مخصوص بالجر ; لأجل الخيلاء ، كما في حديث عند ابن عمر مرفوعا ، لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء ، وعنده من حديث البخاري بلفظ : أبي هريرة ، والبطر بفتحتين : التكبر والطغيان ، وقال بعض العلماء : يعلم من بعض الأخبار تحريم الإسبال لغير الخيلاء أيضا ، كحديث لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا في أبي هريرة البخاري ، لكن يستدل بالتقييد في حديثه وحديث ما أسفل من الكعبين في النار بالخيلاء والبطر على أن الإطلاق في الزجر محمول على المقيد هنا ، فلا يحرم الإسبال إذا سلم من الخيلاء . ابن عمر
ويؤيده ما وقع في بعض طرق المذكور عند ابن عمر أيضا أن البخاري أبا [ ص: 216 ] بكر لما سمع ذلك قال : " " ، هذا ويدخل في الزجر عن جر الثوب يا رسول الله إن إحدى شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لست ممن يصنعه خيلاء ، والعذبة ونحوهما ، وقد نقل تطويل أكمام القميص كراهة كل ما زاد على العادة من الطول والسعة ، وتبعه القاضي عياض ، وقال الطبري العراقي : حدث للناس اصطلاح ، وصار لكل صنف من الخلائق شعار يعرفون به ، فمهما كان ذلك بطريق الخيلاء فلا شك في تحريمه ، وما كان على سبيل العادة ، فلا يجري النهي فيه ، ما لم يصل إلى حد الإسراف المذموم ، والله سبحانه أعلم .
قيل : ولما كان صلى الله عليه وسلم لا يبدو منه إلا طيب ، كان علامة ذلك أن لا يتسخ له ثوب ، ومن خواصه أن ثوبه لم يقمل ، ونقل الفخر الرازي أن الذباب كان لا يقع على ثيابه قط ، وأن البعوض لا يمتص دمه ، واختلفوا هل لبس السراويل فجزم بعضهم بعدمه ، واستأنس له بأن عثمان لم يلبسه إلا يوم قتله ، لكن صح أنه صلى الله عليه وسلم اشتراه ، قال ابن القيم : والظاهر أنه اشتراه ليلبسه ، قال : وروي أنه لبسه ، وكانوا يلبسونه في زمانه وبإذنه انتهى . وقد أخرج مسلم ، والمرط بكسر فسكون كساء من صوف أو خز يؤتزر به ، والمرحل بضم ففتح المهملة المشددة ، هو ما فيه صور رحال الإبل ، ولا بأس بها إذ لا يحرم إلا تصوير الحيوان ، وقول أنه صلى الله عليه وسلم لبس مرطا مرحلا من شعر أسود الجوهري إزار خز فيه علم ، قال في القاموس : غير جيد ، إنما ذلك تفسير المرجل بالجيم ، وروايته بالمهملة على ما صوبه النووي ونقله عن الجمهور ، والله تعالى أعلم .