سمعت محمد بن محمود بن عدي النسائي يقول: سمعت يقول: سمعت علي بن خشرم حفص بن حميد الأكاف يقول: " العاقل لا يغبن، والورع لا يغبن ".
قال هذه لفظة جامعة، تشتمل على معان شتى، فكما لا ينفع الاجتهاد بغير توفيق، ولا الجمال بغير حلاوة، ولا السرور بغير أمن، كذلك لا ينفع العقل بغير ورع، ولا الحفظ بغير عمل، وكما أن السرور تبع للأمن، والقرابة تبع للمودة، كذلك المروءات كلها تبع للعقل. أبو حاتم:
وعقول كل قوم على قدر زمانهم، فالعاقل يختار من العمر أحسنه وإن قل، فإنه خير من الحياة النكدة وإن طالت، والعقل الموعى - غير المنتفع به - كالأرض الطيبة الخراب.
والعاقل لا يبتدئ الكلام إلا أن يسأل، ولا يكثر التماري إلا عند القبول، ولا يسرع الجواب إلا عند التثبت.
[ ص: 22 ] والعاقل لا يستحقر أحدا; لأن من استحقر السلطان أفسد دنياه، ومن استحقر الأتقياء أهلك دينه، ومن استحقر الإخوان أفنى مروءته، ومن استحقر العام أذهب صيانته.
والعاقل لا يخفى عليه عيب نفسه، لأن من خفي عليه عيب نفسه خفيت عليه محاسن غيره، وإن من أشد العقوبة للمرء أن يخفى عليه عيبه; لأنه ليس بمقلع عن عيبه من لم يعرفه، وليس بنائل محاسن الناس من لم يعرفها، وما أنفع التجارب للمبتدي.
أنشدني المنتصر بن بلال بن المنتصر الأنصاري :
ألم تر أن العقل زين لأهله وأن كمال العقل طول التجارب وقد وعظ الماضي من الدهر ذا النهى
ويزداد في أيامه بالتجارب