ذكر الدنيا وتقلبها بأهلها
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام ، حدثنا عبد الله بن هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة ، حدثنا أبي ، عن عمه ، عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أم الدرداء، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي الدرداء، "من أصبح معافى في بدنه، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا، يا ابن [ ص: 278 ] جعشم، يكفيك منها ما سد جوعتك، ووارى عورتك، فإن يكن ثوبا تلبسه فذاك، وإن كانت دابة تركبها فبخ فلق الخبز، وماء الحب، وما فوق الإزار حساب عليك".
قال - رضي الله عنه - : أبو حاتم بل ينزلها حيث أنزلها الله؛ لأن عاقبتها لا محالة تصير إلى فناء، يخرب عمرانها، ويموت سكانها، وتذهب بهجتها، وتبيد خضرتها، فلا يبقى رئيس متكبر مؤمر، ولا فقير مسكين محتقر إلا ويجري عليهم كأس المنايا، ثم يصيرون إلى التراب، فيبلون حتى يرجعوا إلى ما كانوا عليه في البداية إلى الفناء، ثم يرث الأرض ومن عليها علام الغيوب، فالعاقل لا يركن إلى دار هذا نعتها، ولا يطمئن إلى دنيا هذه صفتها، وقد ادخر له ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيضن بترك هذا القليل، ويرضى بفوت ذلك الكثير. الواجب على العاقل أن لا يغتر بالدنيا وزهرتها، وحسنها، وبهجتها، فيشتغل بها عن الآخرة الباقية، والنعم الدائمة،