أنبأنا محمد بن أبي علي ، حدثنا محمد بن هريم الشيباني أنشدنا محمد بن عمران الضبي :
وما المرء إلا بإخوانه كما تقبض الكف بالمعصم ولا خير في الكف مقطوعة
ولا خير في الساعد الأجذم
قال رضي الله عنه: الواجب على العاقل أن لا يعد في الأدواء إخاء من لم يواته الضراء، ولم يشاركه في السراء، ورب أخي إخاء خير من أخي ولادة، ومن أتم حفاظ الأخوة تفقد الرجل أمور من يوده. أبو حاتم
والود الصحيح هو الذي لا يميل إلى نفع، ولا يفسده منع، والمودة أمن، كما أن البغضاء خوف.
[ ص: 87 ] والعاقل لا يواخي إلا من خالفه على الهوى، وأعانه على الرأي، ووافق سره علانيته، لأن خير الإخوان من لم يناقش، كما أن خير الثناء ما كان على أفواه الأخيار، والمستوخم لا يؤلف كما أن غير الثقة لا يود، فمتى ما آخى المرء من لم يصافه بالوفاء يجب الاستظهار عليه بمن يسليه عنه، لأن التودد ممن لا يود يعد ملقا، ولا يفوت الإنسان في الأخوة أحد رجلين: إما أريب قصر في حقوقه فاغتاله بمكر، وإما جاهل لم يصافه فيؤذيه بسوء معاشرته، وصيانة الأخوة ليست إلا في الاستغناء عن الإخوان.
ولقد أحسن العباس بن عبيد بن يعيش حيث يقول :
كم من أخ لك لم يلده أبوكا وأخ أبوه أبوك قد يجفوكا
صاف الكرام إذا أردت إخاءهم واعلم بأن أخا الحفاظ أخوكا
كم إخوة لك لم يلدك أبوهم وكأنما آباءهم ولدوكا
لو كنت تحملهم على مكروهة تخشى الحتوف بها لما خذلوكا
وأقارب لو أبصروك معلقا بنياط قلبك ثم ما نصروكا
الناس ما استغنيت كنت أخا لهم وإذا افتقرت إليهم فضحوكا