أنبأنا ، حدثنا أبو خليفة موسى بن إسماعيل التبوذكي ، حدثنا عن إسماعيل بن جعفر عن أبيه العلاء بن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما نقصت صدقة من مال، ولا زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ولا تواضع أحد لله إلا رفعه الله ". أبي هريرة عن
قال رضي الله عنه: الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر، ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة لكان الواجب عليه أن لا يتزيا بغيره. أبو حاتم
والتواضع تواضعان: أحدهما محمود، والآخر مذموم. ترك التطاول على عباد الله، والإزراء بهم. والتواضع المحمود: هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه. والتواضع المذموم:
فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها، ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها.
ولقد أنبأنا ، حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا قتيبة بن سعيد عن الليث ، عن ابن عجلان ، عن بكير بن عبد الله عبيد الله بن عدي أن قال " إن [ ص: 60 ] الرجل إذا تواضع لله رفع الله حكمته، وقال: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه صغير، وفي أعين الناس كبير، وإذا تكبر العبد وعدا طوره وهصه الله إلى الأرض، وقال اخسأ! أخسأك الله، فهو في نفسه كبير، وفي أعين الناس صغير " عمر بن الخطاب
قال رضي الله عنه: التواضع يرفع المرء قدرا، ويعظم له خطرا، ويزيده نبلا. أبو حاتم
على ضربين: والتواضع لله جل وعز
أحدهما: تواضع العبد لربه عندما يأتي من الطاعات غير معجب بفعله، ولا راء له عنده حالة يوجب بها أسباب الولاية، إلا أن يكون المولى جل وعز هو الذي يتفضل عليه بذلك، وهذا التواضع هو السبب الدافع لنفس العجب عن الطاعات.
والتواضع الآخر: هو ازدراء المرء نفسه واستحقاره إياها عند ذكره ما قارف من المآثم حتى لا يرى أحدا من العالم إلا ويرى نفسه دونه في الطاعات وفوقه في الجنايات.
كما أنبأنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ببغداد، حدثنا ، حدثنا يحيى بن معين عن عبد الصمد بن عبد الوارث عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني قال: قال أبي " يا بني لو لم أحضر الموسم لرجوت أن يغفر لهم ".
أنبأنا عبد الرحمن بن يحيى بن معاذ البزاز ، حدثنا ، حدثنا هشام بن عمار ابن صميع ، حدثنا عن زهير بن محمد عن ابن جريج في قوله ( مجاهد وكانوا لنا خاشعين ) قال " متواضعين ".
قال رضي الله عنه: العاقل يلزم مجانبة التكبر، لما فيه من الخصال المذمومة: أبو حاتم
[ ص: 61 ] إحداها: أنه لا يتكبر على أحد حتى يعجب بنفسه، ويرى لها على غيرها الفضل؟
والثانية: ازدراؤه بالعالم، لأن من لم يستحقر الناس لم يتكبر عليهم، وكفى بالمستحقر لمن أكرمه الله بالإيمان طغيانا.
والثالثة: منازعة الله جل وعلا في صفاته، إذ فمن نازعه إحداهما ألقاه في النار، إلا أن يتفضل عليه بعفوه. الكبرياء والعظمة من صفات الله جل وعلا;
ولقد أحسن الذي يقول :
التيه مفسدة للدين، منقصة للعقل، مهتكة للعرض، فانتبه لا تشرهن; فإن الذل في الشره
والعز في الحلم لا في البطش والسفه
سمعت محمد بن محمود النسائي يقول: سمعت أبا داود السنجي يقول: سمعت يقول: سمعت الأصمعي يحيى بن خالد البرمكي يقول " الشريف إذا تقرأ تواضع، والدنيء إذا تقرأ تكبر ".
قال رضي الله عنه: لا يمتنع من التواضع أحد، أبو حاتم ويذهب الصد، وثمرة التواضع المحبة، كما أن ثمرة القناعة الراحة، وإن تواضع الشريف يزيد في شرفه، كما أن تكبر الوضيع يزيد في ضعته، وكيف لا يتواضع من خلق من نطفة مذرة وآخره يعود جيفة قذرة، وهو بينهما يحمل العذرة؟. والتواضع يكسب السلامة، ويورث الألفة، ويرفع الحقد،
سمعت يقول: سمعت أبا يعلى يقول: سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل يقول: لو قيل: أخرجوا خيار هذه القرية لأخرجوا من لا نعرف. وأنشدني ابن عيينة الكريزي :
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا فكم تحتها قوم هم منك أرفع
فإن كنت في عز وخير ومنعة فكم مات من قوم هم منك أمنع؟
[ ص: 62 ] أنشدنا أو أبو عروبة ابن قتيبة، أنشدنا ، عن المسيب بن واضح يوسف بن أسباط :
وكفى بملتمس التواضع رفعة وكفى بملتمس العلو سفالا