السؤال
الحمد لله. شيخنا الكريم! والله الذي لا إله غيره إني أكتب هذه الرسالة وأنا قلبي يعتصره الألم والجراح العميقة؛ جرّاء ذنبي الذي لم أقدر أن أتخلص منه من أكثر من 15 سنة.
ذنبي -يا شيخ!- هو الكذب، أحب الكذب بشكل كبير جداً! فحينما أقوم بجرد أعمالي اليومية لا يكاد يوم يمر دون أن أكذب أكثر من 3 مرات، بل قل عشرات في بعض الأحيان، وعندها يضيق صدري ويضطرب فؤادي، وتنهمر دموعي أحياناً، وأستغفر ربي وأدعوه بكل صدق ورجاء بأن يخلصني من هذا الداء. وأنا والله أعرف ما عقوبة الكذب، بل إني جمعت أحاديث الكذب الصحيحة والضعيفة، وأجاهد نفسي على أن أقنعها، لكن ما أدري ما نوع النفس التي أملكها، فأنا أكذب بنشوة واحتراف، يكاد أن يستحيل على أحد أن يكتشف بأني أكذب، وحين أُحس بنفسي بأني سأتورط أستطيع أن أتفلت من الكذبة بدهاء ومكر عجيب.
عذرا لهذه الصراحة، لكني أعرف بأنه من أوائل خطوات حل المشكلة هي معرفة أن هناك مشكلة، وأنا أكتب إليكم مشكلتي عسى أن تشيروا علي بحل يشفي غليلي.
ووالدي - غفر الله له - حينما كنا صغاراً كان يمارس علينا ضغوطاً كبيرة، وكان ينتهج الضرب المبرح أسلوباً للتربية؛ لذا كنا أنا وإخوتي نكذب؛ كي ننجو من آلام العصا الخشبية التي طالما تكسرت على أضلعنا. فمنذ ذلك الحين وأنا بل وأخي أيضاً نكذب ونكذب ونكذب، فقد تربينا على الكذب، وكما يقال من شبَّ على شيء شاب عليه. والله المستعان. وأتميز عن أخي بأني أعرف الداء، وأبحث عن الدواء، أما هو فلا. وقد تتعجبون بأني أخبركم أني داعية لي صولة وجولة، وباع كبير جداً في الدعوة إلى الله، ولي جهود يومية منذ زمن طويل وجهود مثمرة جداً في الدعوة، والله يوفقني لهذا -والحمد لله- لكن أحياناً أرى بأني منافق، وأستحي على اللحية التي أحملها في وجهي. وحينما أتذكر حديث الرسول بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه: (إن الرجل ليأتي يوم القيامة تخرج أمعاؤه من فمه، ويدور حولها بالرحى في جهنم، ويقولون من معه: ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: نعم، لكني كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه). أو كما قال رسول الله آه! ثم آه! كم تكلمت في المنتديات والندوات عن الكذب وخطورته. والله يا إخوة! أكتب لكم هذه الرسالة ودموعي تمتلئ بها عيناي؛ خوفاً من ربي، ورجاء مغفرته، فلا تدعوا علي، وإني أتوب إلى الله كل مرة، والله تواب رحيم.
وغالباً ما أكذب حباً للظهور والرفعة، وأحياناً حباً للكلام، وأحياناً حباً للكذب، وأحياناً حباً لإضحاك الناس، وأعرف بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر كثيراً من هذا، لكن نفسي تُحمسني للكذب من باب إدخال السرور إلى قلب أخي المسلم وما أرى هذا إلا من كثرة جهلي وخُبث نفسي.
أرجوكم أعرف الكثير عن هذه العقوبة، وأعرف كل الأحاديث تقريباً، لكن أريد حلولاً عملية تفيدني. وأحياناً بل كثيراً ما أتجنب الذهاب إلى أقاربي أو إلى فلان أو فلان؛ لأني لا أملك نفسي حينما أتحدث، وأعرف بأني سوف أكذب، وكم جربت نفسي وخوفتها، بل أحياناً تدمع مقلتاي من كثرة تخويفها من عذاب الله، لكن لا تلبث دموعي أن تجف إلا وأرمي تلك الكذبة.
والله العظيم إني أحياناً أفكر ما هي الكذبة؟ وكيف لي أن أكذب على صديقي الذي لم أره منذ سنوات؛ لكي يعرف بأني أصبحت ذا جاه ووجاهة ورِفعة وفخر وعلم وغير ذلك! والله المستعان.
أرجو أن لا تظنوني بأني أكذب أيضاً في رسالتي هذه، فأنا الآن صادق، وفي لحظة صدق إن شاء الله. لذا استغليت أن أكتب رسالتي هذه، وأرجو أن يكون ردكم سريعاً قبل أن يوافيني الأجل، وأندم يوم لا ينفع مال ولا بنون.