واختلف النحاة في اللاتي دخلتم بهن } فقيل : يرجع إلى الربائب والأمهات ، وهو اختيار أهل الوصف في قوله : { الكوفة . وقيل يرجع إلى الربائب خاصة ، وهو اختيار أهل البصرة ، وجعلوا رجوع الوصف إلى الموصوفين المختلفي العامل ممنوعا كالعطف على عاملين . وجوز ذلك كله أهل الكوفة ، ورأوا أن عامل الإضافة غير عامل الخفض بحرف الجر . وقد مهدنا القول في ذلك في كتاب " ملجئة المتفقهين إلى معرفة غوامض النحويين " وقد رد القاضي أبو إسحاق الرواية عن ، والذي استقر أنه مذهب زيد بن ثابت خاصة ، كما قد استقر اليوم في الأمصار والأقطار أن الربائب والأمهات في هذا الحكم مختلفات ، وأن الشرط إنما هو في الربائب . علي
واعلموا أن هذه المسألة من غوامض العلم وأخذها من طريق النحو يضعف ; فإن [ ص: 485 ] الصحابة العرب القرشيين الذين نزل القرآن بلغتهم أعرف من غيرهم بمقطع المقصود منهم ; وقد اختلفوا فيه وخصوصا عليا مع مقداره في العلمين ، ولو لم يسمع ذلك في اللغة العربية لكان فصاحتها بالأعجمية ، فإنما ينبغي أن يحاول ذلك بغير هذا القصد . والمأخذ فيه يرجع إلى خمسة أوجه : الأول : أن يقال : إنه يحتمل أن يرجع الوصف إلى الربائب خاصة .
ويحتمل أن يرجع إليها جميعا ; فيرد إلى أقرب مذكور تغليبا للتحريم على التحليل في الفروج ، وهكذا هو مقطوع السلف فيها عند تعارض الأدلة بالتحريم والتحليل عليها .
الثاني : روى عن أبيه عن جده : أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل فلا يحل له نكاح أمها ، وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها ، فإن لم يدخل بها فلينكحها . وهذا إن صح حجة ظاهرة ، لكن رواية عمرو بن شعيب المثنى بن الصباح تضعف .
الثالث : أن قوله : { من نسائكم } لفظة عربية ; لأنه جمع لا واحد له من لفظه ، والواحد منه امرأة . وقولك : امرؤ وامرأة ، كقولك : آدمي وآدمية ، فقوله : وامرأتك كقوله : وآدميتك ، فأضيفت إليك ، ولا بد من البحث عن وجه هذه الإضافة ; فيحتمل أن يكون معناه التي تشبهك أو تجاورك أو تملكها أو تملكك ، أو تحل لها أو تحل لك . والإضافة على معنى الشبه والجوار محال ، وكذلك لو قسمت ما قسمت لم تجد وجها إلا باب التحليل والتحريم الذي نحن فيه وله مساق الآية ، وهو المقصود بالبيان ; فإذا حلت له أو ملكها فقد تحققت الإضافة المقصودة فوجب ثبوت الحكم على الإطلاق . وكذلك كنا نقول في الربائب ، لولا التقييد بشرط الدخول . فإن قيل : فاحملوا الأمهات على البنات . قلنا : لو كنا نطلب الرخص لفعلنا ، ولكن إذا تعارض الدليل في التحليل والتحريم في الفروج غلبنا التحريم ، وكذلك فعل في الأختين من ملك اليمين لما تعارض فيهما التحليل والتحريم غلب التحريم . [ ص: 486 ] علي
الرابع : أنه قد قيل : إن المراد بالدخول هاهنا النكاح ، فعلى هذا الربائب والأمهات سواء ; لكن الإجماع غلب على الربائب باشتراط الوطء في أمهاتهن لتحريمهن .
الخامس : أن كل واحد من الموصوفين قد انقطع عن صاحبه ، وخرج منه بوصفه ; فإنه قال : { وأمهات نسائكم } ، ثم قال بعده : { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم } ، فوصف وكرر ، وذلك الوصف لا يصح أن يرجع إلى الأمهات ، وهو قوله : { اللاتي في حجوركم } ، فالوصف الذي يتلوه يتبعه ، ولا يرجع إلى الأول لبعده منه وانقطاعه عنه .