رضي الله عنه] عثمان [قصة استشهاد سيدنا
قال (ولي الزهري: اثنتي عشرة سنة؛ يعمل ست سنين لا ينقم الناس عليه شيئا، وإنه لأحب إلى عثمان قريش من لأن عمر بن الخطاب؛ كان شديدا عليهم، فلما وليهم عمر لان لهم ووصلهم، ثم توانى في أمرهم، واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر، وكتب عثمان.. لمروان بخمس إفريقية، وأعطى أقرباءه المال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، وقال: «إن أبا بكر [ ص: 271 ] تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي» فأنكر الناس عليه ذلك). أخرجه وعمر ابن سعد.
وأخرج من وجه آخر عن ابن عساكر قال: (قلت الزهري هل أنت مخبري كيف كان لسعيد بن المسيب: عثمان؟ ما كان شأن الناس وشأنه؟ ولم خذله أصحاب قتل محمد صلى الله عليه وسلم ؟
فقال: قتل مظلوما، ومن قتله.. كان ظالما، ومن خذله.. كان معذورا. عثمان
قلت: وكيف كان ذلك؟! قال: إن لما ولي.. كره ولايته نفر من الصحابة؛ لأن عثمان كان يحب قومه، فولي الناس اثنتي عشرة سنة، وكان كثيرا مما يولي عثمان بني أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صحبة، فكان يجيء من أمرائه ما ينكره أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم. عثمان
فلما كان في الست الأواخر.. استأثر بني عمه؛ فولاهم وما أشرك معهم، وأمرهم بتقوى الله، ولى عبد الله بن أبي سرح مصر، فمكث عليها سنين، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه، وقد كان قبل ذلك من هنات إلى عثمان عبد الله بن مسعود، وأبي ذر، فكانت وعمار بن ياسر، بنو هذيل وبنو زهرة في قلوبهم ما فيها لحال وكانت ابن مسعود، بنو غفار وأحلافها ومن غضب لأبي ذر في قلوبهم ما فيها، وكانت بنو مخزوم قد حنقت على لحال عثمان عمار بن ياسر.
وجاء أهل مصر يشكون ابن أبي سرح، فكتب إليه كتابا يتهدده فيه، فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان، من أهل عثمان مصر ممن كان أتى فقتله، فخرج من أهل عثمان مصر سبعمائة رجل، فنزلوا المسجد، وشكوا إلى الصحابة في مواقيت الصلاة ما صنع ابن أبي سرح بهم.
[ ص: 272 ] فقام فكلم طلحة بن عبيد الله بكلام شديد، وأرسلت عثمان - رضي الله عنها - إليه فقالت: تقدم إليك أصحاب عائشة محمد صلى الله عليه وسلم، وسألوك عزل هذا الرجل فأبيت؟! فهذا قد قتل منهم رجلا فأنصفهم من عاملك.
ودخل عليه فقال: إنما يسألونك رجلا مكان رجل، وقد ادعوا قبله دما، فاعزله عنهم، واقض بينهم، فإن وجب عليه حق.. فأنصفهم منه. علي بن أبي طالب
فقال لهم: اختاروا رجلا أوليه عليكم مكانه، فأشار الناس عليه بمحمد بن أبي بكر، فقالوا: استعمل علينا محمد بن أبي بكر، فكتب عهده وولاه، وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح.
فخرج محمد ومن معه، فلما كان على مسيرة ثلاثة من المدينة.. إذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير خبطا كأنه رجل يطلب أو يطلب، فقال له أصحاب محمد: ما قصتك؟ وما شأنك؟ كأنك هارب أو طالب، فقال لهم: أنا غلام أمير المؤمنين، وجهني إلى عامل مصر.
فقال له رجل: هذا عامل مصر، قال: ليس هذا أريد، وأخبر بأمره محمد بن أبي بكر، فبعث في طلبه رجلا، فأخذه فجاء به إليه، فقال: غلام من أنت؟ فأقبل مرة يقول: أنا غلام أمير المؤمنين، ومرة يقول: أنا غلام مروان، حتى عرفه رجل أنه لعثمان.
فقال له محمد: إلى من أرسلت؟ قال: إلى عامل مصر، قال: بماذا؟ قال: برسالة، قال: معك كتاب؟ قال: لا، ففتشوه فلم يجدوا معه كتابا، وكانت معه إداوة قد يبست فيها شيء يتقلقل، فحركوه ليخرج فلم يخرج، فشقوا الإداوة؛ فإذا فيها كتاب من إلى عثمان ابن أبي سرح.
فجمع محمد من كان عنده من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ثم فك الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه: إذا أتاك محمد وفلان وفلان.. فاحتل في قتلهم، وأبطل كتابه، وقر على عملك حتى يأتيك رأيي، واحبس من يجيء إلي يتظلم [ ص: 273 ] منك ليأتيك رأيي في ذلك إن شاء الله تعالى.
فلما قرءوا الكتاب.. فزعوا وأزمعوا، فرجعوا إلى المدينة، وختم محمد الكتاب بخواتيم نفر كانوا معه، ودفع الكتاب إلى رجل منهم، وقدموا المدينة، فجمعوا طلحة، والزبير، وعليا، وسعدا، ومن كان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم فضوا الكتاب بمحضر منهم، وأخبروهم بقصة الغلام وأقرءوهم الكتاب، فلم يبق أحد من أهل المدينة.. إلا حنق على عثمان.
وزاد ذلك من كان غضب لابن مسعود وأبي ذر حنقا وغيظا، وقام أصحاب وعمار محمد فلحقوا بمنازلهم، ما منهم أحد إلا وهو مغتم لما قرءوا الكتاب، وحاصر الناس وأجلب عليه عثمان، محمد بن أبي بكر ببني تيم وغيرهم.
فلما رأى ذلك بعث إلى علي.. طلحة والزبير وسعد ونفر من الصحابة، كلهم بدري، ثم دخل على وعمار ومعه الكتاب والغلام والبعير، فقال له عثمان هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم، قال: والبعير بعيرك؟ قال: نعم، قال: فأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا، وحلف بالله؛ ما كتب هذا الكتاب، ولا أمر به ولا علم به. علي:
قال له فالخاتم خاتمك؟ قال: نعم، قال: فكيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك لا تعلم به؟ فحلف بالله؛ ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به، ولا وجهت هذا الغلام إلى علي: مصر قط.
وأما الخط.. فعرفوا أنه خط مروان، وشكوا في أمر وسألوه أن يدفع إليهم عثمان، مروان، فأبى، وكان مروان عنده في الدار، فخرج أصحاب محمد من عنده غضابا، وشكوا في أمره، وعلموا أن لا يحلف بباطل، إلا أن قوما قالوا: لن يبرأ عثمان من قلوبنا إلا أن يدفع إلينا عثمان مروان، حتى نبحثه ونعرف حال الكتاب وكيف يأمر بقتل رجل من أصحاب محمد بغير حق؟! فإن يكن كتبه.. عزلناه، وإن يكن عثمان مروان كتبه على لسان نظرنا ما يكون منا في أمر عثمان.. مروان.
ولزموا بيوتهم، وأبى أن يخرج إليهم عثمان مروان، وخشي عليه القتل، [ ص: 274 ] وحاصر الناس ومنعوه الماء، فأشرف على الناس فقال: أفيكم عثمان فقالوا: لا، قال: أفيكم علي؟ سعد؟ قالوا: لا، فسكت ثم قال: ألا أحد يبلغ فيسقينا ماء؟ فبلغ ذلك فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء، فما كادت تصل إليه، وجرح في سببها عدة من موالي علي، بني هاشم وبني أمية حتى وصل الماء إليه.
فبلغ أن عليا يراد قتله، فقال: إنما أردنا منه عثمان مروان، فأما عثمان.. فلا، وقال قتل للحسن اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب والحسين: فلا تدعا أحدا يصل إليه. وبعث عثمان، الزبير ابنه، وبعث ابنه، وبعث عدة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على طلحة ويسألونه إخراج عثمان، مروان.
فلما رأى ذلك محمد بن أبي بكر ورمى الناس بالسهام حتى خضب عثمان بالدماء على بابه، وأصاب الحسن مروان سهم وهو في الدار، وخضب محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى فخشي علي... محمد بن أبي بكر أن تغضب بنو هاشم لحال الحسن فيثيرونها فتنة، فأخذ بيد الرجلين فقال لهما: إن جاءت والحسين، بنو هاشم، فرأوا الدماء على وجه كشفوا الناس عن الحسن.. وبطل ما نريد، ولكن مروا بنا حتى نتسور عليه الدار؛ فنقتله من غير أن يعلم به أحد. عثمان
فتسور محمد وصاحباه من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا على ولا يعلم أحد ممن كان معه؛ لأن كل من كان معه كانوا فوق البيوت، ولم يكن معه إلا امرأته، فقال لهما عثمان، محمد: مكانكما، فإن معه امرأته حتى أبدأكما بالدخول، فإذا أنا ضبطته.. فادخلا فتوجآه حتى تقتلاه، فدخل محمد فأخذ بلحيته، فقال له والله؛ لو رآك أبوك.. لساءه مكانك مني، فتراخت يده، ودخل الرجلان عليه فتوجآه حتى قتلاه، وخرجوا هاربين من حيث دخلوا، وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها؛ لما كان في الدار من الجلبة، وصعدت امرأته إلى الناس، فقالت: إن أمير المؤمنين قد قتل، فدخل الناس فوجدوه مذبوحا. عثمان:
وبلغ الخبر عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة، فخرجوا وقد [ ص: 275 ] ذهبت عقولهم للخبر الذي أتاهم حتى دخلوا على فوجدوه مقتولا، فاسترجعوا، وقال عثمان، لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟! ورفع يده فلطم علي وضرب صدر الحسن، وشتم الحسين، محمد بن طلحة، وعبد الله بن الزبير، وخرج وهو غضبان حتى أتى منزله، وجاء الناس يهرعون إليه، فقالوا له: نبايعك، فمد يدك؛ فلابد من أمير.
فقال رضي الله عنه: ليس ذلك إليكم، إنما ذلك إلى أهل علي بدر، فمن رضي به أهل بدر.. فهو خليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر.. إلا أتى فقالوا: ما نرى أحدا أحق بها منك، مد يدك نبايعك. فبايعوه. عليا،
وهرب مروان وولده، وجاء إلى امرأة علي فقال لها: من قتل عثمان، قالت: لا أدري، دخل عليه رجلان لا أعرفهما ومعهما عثمان؟ محمد بن أبي بكر، وأخبرت والناس ما صنع عليا محمد، فدعا علي محمدا فسأله عما ذكرت امرأة فقال عثمان، محمد: لم تكذب، قد والله دخلت عليه وأنا أريد قتله، فذكر لي أبي، فقمت عنه وأنا تائب إلى الله تعالى، والله؛ ما قتلته ولا أمسكته، فقالت امرأته: صدق، ولكنه أدخلهما).
وأخرج عن ابن عساكر كنانة مولى صفية وغيره قالوا: (قتل رجل من أهل عثمان مصر أزرق أشقر، يقال له: حمار).