شبيب الكوفة وفي هذه السنة دخل
وذلك أنه لما قتل صالح ، كان قتله يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقين من جمادى الآخرة - فقال شبيب لأصحابه: بايعوني أو بايعوا من شئتم ، فبايعوه ، فخرج فقتل من قدر عليه ، وبعث الحجاج جندا في طلبه فهزمهم ، فبعث إليهم سورة بن الأبجر ، فذهب شبيب إلى المدائن فأصاب منها وقتل من ظهر له ، ثم خرج فأتى النهروان ، فتوضأ هو وأصحابه وصلوا ، وأتوا مصارع إخوانهم الذين قتلهم فاستغفروا لإخوانهم وتبرءوا من علي بن أبي طالب ، وأصحابه ، وبكوا فأطالوا البكاء ، ثم خرجوا فقطعوا جسر علي النهروان ونزلوا في جانبه الشرقي ، ثم التقوا فهزموا سورة ، فمضى فله إلى الحجاج ، فقال: قبح الله سورة ، ثم دعا عثمان بن سعيد ، فقال: تيسر للخروج إلى هذه المارقة ، فإذا لقيتهم فلا تعجل عجلة الخرق النزق ، ولا تحجم إحجام الواني الفرق: فقال: [ ص: 182 ]
لا تبعث معي أحدا من أهل هذا الفل ، قال: لك ذاك ، ثم أخرج معه أربعة آلاف ، فجعل كلما مضى إلى مكان رحلشبيب إلى مكان أراده أن يتعجل إليه في فل من أصحابه ، فما زالوا يتراوغون ويذهبون من مكان إلى مكان ، ويقتتلون إذا التقوا وينهزمون . فطال ذلك على الحجاج ، فولى سعيد بن المجالد على ذلك الجيش ، وقال له: اطلبهم طلب السبع ، ولا تفعل فعل عثمان .
فلقوهم فانهزم أصحاب سعيد ، وثبت هو ، فضربه شبيب فقتله ، ورجع الناس إلى أميرهم الأول عثمان ، فبعث الحجاج سويد بن عبد الرحمن في ألفي فارس ، وقال:
اخرج إلى شبيب فالقه ، فخرج فلقيه فحمل عليه شبيب حملة منكرة ، ثم أخذ نحو الحيرة ، فتبعه سويد ، وخرج الحجاج نحو الكوفة ، فبادره شبيب إليها ، فنزل الحجاج الكوفة صلاة العصر ، ونزل شبيب السبخة صلاة المغرب ، ثم دخل الكوفة ، وجاء حتى ضرب باب القصر بعموده ، ثم خرج من الكوفة ، فنادى الحجاج وهو فوق القصر: يا خيل الله اركبي .
وبعث بسر بن غالب في ألفين ، وزائدة بن قدامة في ألفين ، وأبا الضريس في ألف من الموالي . وخرج شبيب من الكوفة فأتى المردمة ثم مضى نحو القادسية ، ووجه الحجاج زحر بن قيس في جريدة خيل نقاوة ألف وثمانمائة فارس ، فالتقيا ، فنزل زحر فقاتل حتى صرع وانهزم أصحابه .
وانعطف شبيب على الأمراء المبعوثين [إليه ، فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا ، وكانت الكرة لشبيب ، فقال الناس: ارفعوا السيف وادعوا الناس] : إلى البيعة ، . ثم إنه ارتحل ، وكان الحجاج يقول: أعياني شبيب .
ثم دعا عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، فقال: انتخب ستة آلاف واخرج في طلب هذا العدو ، فلما اجتمع العسكر كتب إليهم الحجاج: أما بعد ، فإنكم قد اعتدتم عادة الأذلاء ، وقد صفحت لكم مرة بعد مرة ، وإني أقسم بالله -عز وجل- قسما [ ص: 183 ] صادقا إن عدتم لذلك لأوقعن بكم إيقاعا يكون أشد عليكم من هذا العدو الذي تهربون منه في بطون الأودية والشعاب .
وبعث إلى عبد الرحمن عند طلوع الشمس ، فقال: ارتحل الساعة ، وناد في الناس: برئت الذمة من رجل من هذا البعث وجدناه متخلفا ، فخرج حتى مر بالمدائن ، فنزل بها يوما وليلة ، واشترى أصحابه حوائجهم ، ثم نادى بالرحيل ، ودخل على عثمان بن قطن ، فقال له عثمان: إنك تسير إلى فرسان العرب وأبناء الحرب ، وأحلاس الخيل ، والله لكأنهم خلقوا من ضلوعها ، الفارس منهم أشد من مائة ، فلا تلقهم إلا في تعبية أو في خندق ، فخرج في طلب شبيب ، فارتفع شبيب إلى دقوقاء . وكتب الحجاج إلى عبد الرحمن:
أن اطلب شبيبا أين سلك حتى تدركه فتقتله أو تنفيه .
وكان شبيب يدنو من عبد الرحمن فيجده قد خندق [على نفسه] وحذر ، فيمضي عنه ، فإذا بلغه أنه قد سار انتهى إليه ، فوجده قد صف الخيل ، فلا يصيب له غرة ، فإذا دنا منه عبد الرحمن ارتحل خمسة عشر فرسخا أو عشرين ، فنزل منزلا غليظا خشنا .
ثم إن الحجاج عزل عبد الرحمن ، وولى عثمان بن قطن ، [وعلى أصحابه ، فخرج شبيب في مائة وواحد وثمانين رجلا ، فحمل عليهم فانهزموا ، ودخل شبيب عسكرهم ، وقتل] نحوا من ألفين من ذلك العسكر ، وقيل لابن الأشعث: قد ذهب الناس ، وتفرقوا وقتل خيارهم ، فرجع إلى الكوفة ، فاختبأ من الحجاج حتى أخذ له الأمان بعد ذلك . [ ص: 184 ]