وهو شعيب بن عيفا بن نويب بن مدين بن إبراهيم . هكذا يقول الأكثرون . وقرأته بخط على خلاف هذا النسب وهذا الاسم ، قال: هو أبي الحسين بن المنادي شعيب بن نوبب -بباءين مع سكون الواو- بن رعيل بن عيفا بن مدين بن إبراهيم .
وبعضهم يقول: ليس من ولد إبراهيم ، إنما هو من ولد بعض من آمن به ، ولكنه ابن بنت لوط .
أرسل إلى أمتين: أهل مدين ، وأصحاب الأيكة . وكانت مدين دار شعيب والأيكة خلف مدين .
وكان اسمه القديم يبرون ، هذا نقلته من خط وقال قوم: ابن المنادي . يثرون بياء وبعدها ثاء .
وقال الشرقي بن القطامي -وكان عالما بالأنساب-: هو يثرون بالعبرانية ، وشعيب بالعربية .
قال العلماء: بعثه الله تعالى إلى مدين ، وهو ابن عشرين سنة ، فكان يقال له: خطيب الأنبياء؛ لحسن مراجعته لقومه ، فلما طال تماديهم بعث الله عليهم حرا شديدا [ ص: 325 ] فأخذ بأنفاسهم ، فدخلوا أجواف البيوت ، فدخل عليهم فخرجوا إلى البرية ، فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس ، فوجدوا بردا ولذة ، فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم ، فذلك عذاب يوم الظلة . وكانوا أهل بخس في المكاييل والموازين ، فدعاهم إلى التوحيد ونهاهم عن التطفيف ،
قال وكان أبو جاد ، وهواز ، وحطي ، وكلمون ، وسعفص ، وقريشات بني الأمحض بن جندل بن يعصب بن مدين بن إبراهيم ملوكا . أبو الحسين بن المنادي:
وكان أبو جاد ملك مكة وما والاها من تهامة ، وكان هواز وحطي ملكي وج ، وهو الطائف . وكان سعفص وقريشات ملكي مدين ، ثم خلفهم كلمون . وكان عذاب يوم الظلة في ملكه ، فقالت حالفة بنت كلمون - وفي رواية: أخت كلمون- ترثيه:
كلمون هد ركني هلكه وسط المحله سيد القوم أتاه الـ
ـحتف نارا وسط ظله كويت نارا فأضحت
دارهم كالمضمحله
وقد قال أما أهل قتادة: مدين فأخذتهم الصيحة ، وأما أصحاب الأيكة ، فسلط عليهم الحر سبعة أيام ، ثم بعث الله عليهم نارا فأكلتهم ، فذلك عذاب يوم الظلة .
فأما قوله تعالى: وإنا لنراك فينا ضعيفا [11: 91] فقال كان أعمى . وهذا إن ثبت فقد كان في آخر عمره . سعيد بن جبير:
قال لم يبعث الله نبيا أعمى ولا به زمانة . أبو روق:
قال وهذا القول أليط بالقلوب من قول أبو الحسين بن المنادي: سعيد بن جبير .
[ ص: 326 ]
قال أبو المنذر: ثم إن شعيبا زوج موسى ابنته ، ثم خرج إلى مكة فتوفي بها ، وأوصى إلى موسى ، وكان عمره كله مائة وأربعين سنة ، ودفن في المسجد الحرام حيال الحجر الأسود .
ومن الحوادث التي كانت في زمن شعيب
ملك منوشهر
ورأيته بخط أبي الحسين بن المنادي "ميوشهر" قد ضبط بالياء ، وهو من ولد إيرج بن أفريدون ، ولما كبر صار إلى جده أفريدون فتوجه . وبعث موسى عليه السلام وقد مضى من ملك منوشهر ستون سنة ، فعاش في الملك ستين [سنة] أخرى ، ثم وثب به عدو فنفاه عن بلده اثني عشر سنة ، ثم أديل منه منوشهر فنفاه وعاد إلى ملكه ، فملكه بعد ذلك ثمانيا وعشرين سنة .
وكان منوشهر يوصف بالعدل والإحسان ، وهو أول من خندق الخنادق ، وجمع آلة الحرب ، وزاد في مهنة المقاتلة الرمي ، وأول من وضع الدهقنة فجعل لكل قرية دهقانا ، وجعل أهلها له خولا وعبيدا .
وسار إلى بلاد الترك مطالبا بدم جده إيرج ، فقتل طوخ بن أفريدون فانصرف .
واصطلح هو وقريشات على أن يجعلا حد ما بين مملكتيهما منتهى رمية سهم رجل من أصحاب منوشهر ، فحيث ما وقع سهمه من موضع رميته تلك مما يلي الترك فهو الحد بينهما . فرمى ذلك فبلغت رميته نهر بلخ ، فصار حد ما بين الترك وولد طوخ وولد إيرج .
واشتق منوشهر من الصراة ودجلة ونهر بلخ أنهارا عظاما ، وقيل: إنه هو الذي كرى الفرات الأكبر ، وأمر الناس بحراثة الأرض وعمارتها .
قالوا: ولما مضى من ملك منوشهر خمس وثلاثون سنة تناولت الترك من أطراف [ ص: 327 ] رعيته فقام خطيبا فوبخ رعيته ، ويقال: هي أول خطبة سمعت من خطيب- وقال: إنما الناس ناس ما دفعوا العدو عنهم ، وقد نالت الترك من أطرافكم ، وليس ذلك إلا من ترككم جهاد عدوكم ، وقلة المبالاة ، وإن فإذا كان غدا فاحضروا . الله أعطانا هذا الملك ليبلونا أنشكر فيزيدنا أم نكفر فيعاقبنا ،
وأرسل إلى أشراف الأساورة فدعاهم وأدخل الرؤساء ، ودعا موبذ موبذان ، فأقعد على كرسي مما يلي سريره ، ثم قام على سريره ، فقام أشراف أهل مملكته ، فقال:
اجلسوا فإني إنما قمت لأسمعكم كلامي ، فجلسوا ، فقال: أيها الناس ، إنما الخلق للخالق ، والتسليم للقادر ، ولا بد مما هو كائن ، وإنه لا أضعف من مخلوق طالبا كان أو مطلوبا ، ولا أقوى من خالق ، ولا أقدر ممن طلبته في يده ، ولا أعجز ممن هو في يد طالبه ، وإن التفكر نور ، والغفلة ظلمة ، والجهالة ضلالة ، وقد ورد الأول ولا بد للآخر من اللحوق بالأول ، وقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها ، فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله؟! والشكر للمنعم ،
وإن الله عز وجل أعطانا هذا الملك فله الحمد ، ونسأله إلهام الرشد والصدق واليقين ، وإن للملك على أهل مملكته [حقا ، ولأهل مملكته عليه حقا ، فحق الملك على أهل المملكة] أن يطيعوه ويناصحوه ويقاتلوا عدوه ، وحقهم على الملك أن يعطيهم أرزاقهم في أوقاتها؛ إذ لا معتمد لهم على غيرها و[أنها تجارتهم ، وحق الرعية على الملك] أن ينظر لهم ، ويرفق بهم ، ولا يحملهم ما لا يطيقون ، وإن أصابتهم مصيبة تنقص من ثمارهم من آفة من السماء أو الأرض أن يسقط عنهم خراج ما نقص ، وإن اجتاحتهم مصيبة أن يعوضهم ما يقويهم على عمارتها ، ثم يأخذ منهم بعد ذلك على قدر ما لا يجحف بهم ، والجند للملك بمنزلة جناحي الطائر ، فمتى قص من الجناح ريشه كان ذلك نقصانا منه ، فكذلك الملك إنما هو بجناحه وريشه .
ألا وإن الملك ينبغي أن يكون فيه ثلاث خصال: أولها أن يكون صدوقا لا يكذب ، وأن يكون سخيا لا يبخل ، وأن يملك نفسه عند الغضب ، فإنه مسلط ويده [ ص: 328 ] مبسوطة ، والخراج يأتيه ، فينبغي ألا يستأثر عن جنده ورعيته بما هم أهله ، وأن يكثر العفو ، فإنه لا ملك أبقى من ملك فيه العفو ، ولا أهلك من ملك فيه العقوبة ، ولأن يخطئ في العفو فيعفو خير من أن يخطئ في العقوبة .
فينبغي للملك أن يتثبت في الأمر الذي فيه قتل النفس [وبوارها] ، وإذا رفع إليه من عامل من عماله ما يستوجب به العقوبة فلا ينبغي له أن يحابيه ، وليجمع بينه وبين المتظلم ، فإن صح عليه للمظلوم حق خرج إليه منه ، وإن عجز عنه آدمي أدى عنه الملك [ورده إلى موضعه] ، وأخذه بإصلاح ما أفسد ، فهذا لكم علينا .
ألا من سفك دما بغير حق أو قطع يدا بغير حق ، فإني لا أعفو عن ذلك إلا أن يعفو عنه صاحبه ، فخذوا هذا عني .
وإن الترك قد طمعت فيكم فاكفوها بما تكفون أنفسكم به ، وقد أمرت لكم بالسلاح والعدة وأنا شريككم في الرأي ، وإنما لي من هذا الملك اسمه مع الطاعة منكم .
ألا وإن الملك ملك إذا أطيع ، فإذا خولف فذلك مملوك ليس بملك . فمهما بلغنا من الخلاف فإنا لا نقبله من المبلغ له حتى نتيقنه منه ، فإذا صحت معرفة ذلك أنزلناه منزل المخالف .
ألا وإن أكمل الأداة عند المصيبات الأخذ بالصبر والراحة إلى اليقين ، فمن قتل في مجاهدة العدو رجوت له الفوز برضوان الله .
وأفضل الأمور التسليم لأمر الله ، والراحة إلى اليقين ، والرضا بقضائه ، أين المهرب مما هو كائن! وإنما يتقلب في كف الطالب ، وإنما أهل هذه الدنيا سفر لا يحلون عقد الرحال إلا في غيرها ، وإنما بلغتهم فيها بالعواري ، فما أحسن الشكر للمنعم والتسليم لمن القضاء له! ومن أحق بالتسليم لمن فوقه ممن لا يجد مهربا إلا إليه ، ولا معولا إلا عليه!
[ ص: 329 ]
فثقوا أن النصر من الله تعالى ، وكونوا على ثقة من درك الطلبة إذا صحت نياتكم ، واعلموا أن هذا الملك لا يقوم إلا بالاستقامة ، وحسن الطاعة ، وقمع العدو ، وسد الثغور ، والعدل للرعية ، وإنصاف المظلوم ، فشفاؤكم عندكم ، والدواء الذي لا داء فيه الاستقامة ، والأمر بالخير والنهي عن الشر ، ولا قوة إلا بالله .
انظروا للرعية فإنها مطعمكم ومشربكم ، ومتى عدلتم فيها رغبوا في العمارة ، فزاد ذلك في خراجكم ، وتبين في زيادة أرزاقكم ، وإذا خفتم على الرعية زهدوا في العمارة ، وعطلوا أكثر الأرض ، فنقص ذلك من خراجكم ، وتبين في نقص أرزاقكم ، فتعاهدوا الرعية بالإنصاف .
هذا قولي وأمري يا موبذ موبذان ، الزم هذا القول وجد في هذا الذي سمعت في يومك ، أسمعتم أيها الناس! فقالوا: نعم ، قد قلت فأحسنت ، ونحن فاعلون إن شاء الله .
ثم أمر بالطعام فوضع فأكلوا وشربوا ، ثم خرجوا وهم له شاكرون .
وكان ملكه مائة وعشرين سنة ، فلما هلك قريشات ، وتغلب على مملكة فارس ، وصار إلى أرض بابل ، وأقام بأذربيجان ، وأكثر الفساد فبقي اثنتي عشرة سنة إلى أن ظهر زو .
وكان من الملوك في هذا الزمان
الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، كان من ملوك اليمن بعد يعرب بن قحطان وإخوته . وكان [ملكه باليمن أيام] ملك [منوشهر ، وإنما سمي] الرائش -واسمه الحارث- لغنيمة غنمها من قوم غزاهم فأدخلها اليمن ، فسمي لذلك الرائش .
وأنه غزا الهند فقتل بها وسبى وغنم الأموال ورجع إلى اليمن ، ثم سار منها على [ ص: 330 ] جبل طيئ ، ثم على الأنبار ، ثم على الموصل ، وأنه وجه منها خيله وعليها رجل من أصحابه ، يقال له: شمر بن العطاف ، فدخل على الترك أرض أذربيجان وهي في أيديهم يومئذ ، فقتل المقاتلة وسبى الذرية ، وزبر ما كان من مسيره في حجرين ، فهما معروفان ببلاد أذربيجان .
وملك بعد الرائش ابنه أبرهة ، ويقال له: ذو منار . وإنما قيل ذلك؛ لأنه غزا بلاد المغرب فأوغل فيها فخاف على جيشه الضلال عند قفوله ، فبنى المنار؛ ليهتدوا به .
وهو أحد الملوك الذين توغلوا في الأرض ، وكان له ولد يقال له: "العبد" فبعثه إلى ناحية من أقاصي بلاد المغرب ، فغنم وأصاب مالا ، وقدم عليه بسبي لهم خلق منكرة . فذعر الناس منهم ، فسموه ذا الأذعار .
ويقال: إن ملوك اليمن كانوا عمالا لملوك الفرس بها ، ومن قبلهم كانت ولايتهم بها .
[ ص: 331 ]