[ ص: 179 ]
ثم دخلت
فمن الحوادث فيها خروج صالح بن مسرح سنة ست وسبعين
وقد ذكرنا أنه كان يتنسك ، وكان يقول لأصحابه: أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، والزهد في الدنيا ، والرغبة في الآخرة ، وكثرة ذكر الموت ، وفراق الفاسقين ، وحب المؤمنين ، ألا إن من نعمة الله -عز وجل- على المؤمنين أن بعث فيهم رسولا منهم - أو قال: من أنفسهم - فعلمهم الكتاب والحكمة ، ثم ولي من بعده فاقتدى بهداه ، واستخلف الصديق فعمل بكتاب الله -عز وجل- وأحيا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يخف لومة لائم ، وولي بعده عمر عثمان ، فاستأثر بالفيء ، وجار في الحكم فبرئ الله منه ورسوله وصالح المؤمنين ، وولي فلم ينشب أن حكم في أمر الله -عز وجل- الرجال ، وأدهن ، فنحن منه ومن أشياعه براء ، فتيسروا رحمكم الله لجهاد هذه الأحزاب المتحزبة ، وأئمة الضلال الظلمة ، وللخروج من دار الفناء إلى دار البقاء ، واللحاق بإخواننا المؤمنين الذين باعوا الدنيا بالآخرة ، ولا تجزعوا من القتل في الله سبحانه فإن القتل أيسر من الموت ، والموت نازل بكم ، ألا فبيعوا الله أنفسكم طائعين تدخلوا الجنة آمنين . علي بن أبي طالب
وقد ذكرنا أنه كتب إلى شبيب ، فجاءه شبيب في أصحابه ، وقال: اخرج بنا رحمك الله ، فو الله ما تزداد السنة إلا دروسا ، ولا المجرمون إلا طغيانا . فبث صالح رسله في أصحابه وواعدهم الخروج في هلال صفر سنة ست وسبعين ، فاجتمعوا عنده تلك [ ص: 180 ] الليلة ، فقام إليه شبيب فقال: يا أمير المؤمنين ، كيف ترى في هؤلاء الظلمة؟ أنقتلهم قبل الدعاء ، أم ندعوهم قبل القتال؟ وسأخبرك برأيي فيهم قبل أن تخبرني برأيك فيهم ، أما أنا فأرى أن تقتل كل من لا يرى رأينا قريبا كان أو بعيدا ، فإنا نخرج على قوم طاغين قد تركوا أمر الله -عز وجل- فقال: لا [بل] ندعوهم ، فلعمري ما يجيبك إلا من يرى رأيك ، والدعاء أقطع لحجتهم ، قال: فما تقول في دمائهم وأموالهم؟ قال: إن قتلنا وغنمنا فلنا ، وإن تجاوزنا وعفونا فموسع علينا .
فلما هموا بالخروج قال لهم صالح: اتقوا الله -عز وجل- ولا تعجلوا إلى قتال أحد إلا أن يكونوا قوما يريدونكم وينصبون لكم ، فإنكم إنما خرجتم غضبا لله -عز وجل- حيث انتهكت محارمه ، وسفكت الدماء بغير حلها ، ولا تعيبوا على قوم أعمالهم ثم تعملوا بها ، وهذه دواب لمحمد بن مروان في هذا الرستاق ، فابدءوا بها ، فشدوا عليها ، وتقووا بها على عدوكم .
فخرجوا وأخذوا تلك الدواب فحملوا رجالتهم عليها ، وكانوا مائة وعشرة أنفس ، وأقاموا بأرض دارا ثلاث عشرة ليلة ، وتحصن منهم أهل دارا وأهل نصيبين وأهل سنجار ، وبلغ مخرجهم محمد بن مروان وهو يومئذ أمير الجزيرة ، فاستخف بأمرهم ، وبعث إليهم عدي بن عدي في خمسمائة ، فقال له: أتبعثني إلى رأس الخوارج منذ عشرين سنة وقد خرج معه رجال ، الرجل منهم خير من مائة فارس في خمسمائة . فزاده خمسمائة ، فسار في ألف من حران وكأنما يساق إلى الموت ، وكان عدي رجلا يتنسك ، فلما وصل بعث رجلا إلى صالح يقول له: إن عديا يسألك أن تخرج من هذا البلد إلى بلد آخر فإنه كاره للقائك ، فقال للرسول: قل له هل أنت على رأينا ، فجاءه الجواب: لا ولكن أكره قتالك ، فحبس الرسول عنده وقال لأصحابه: اركبوا ، وحملوا عليهم وهم على غفلة ، فانهزموا وحووا ما في عسكرهم ، وذهب فل عدي وأوائل أصحابه حتى دخلوا على محمد بن مروان ، فغضب ، ثم دعا خالد ابن جزي السلمي فبعثه في ألف وخمسمائة ودعا الحارث بن جعونة العامري ، فبعثه في ألف وخمسمائة ، وقال: اخرجا إلى هذه [ ص: 181 ] الخارجة القليلة الخبيثة ، وأغذا السير ، فأيكما سبق فهو الأمير على صاحبه .
فانتهيا إلى صالح وقد نزل آمد ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل من الخوارج أكثر من سبعين ، ومن المؤمنين نحو من ثلاثين ، فلما جن الليل ذهب الخوارج فقطعوا الجزيرة ودخلوا أرض الموصل ، فبلغ ذلك الحجاج ، فسرح إليهم الحارث بن عميرة الهمداني في ثلاثة آلاف رجل ، فلقيهم ومع صالح تسعون رجلا ، فشد عليهم فقتل صالح ولاذ الباقون بحصن هناك ، فقال الحارث لأصحابه احرقوا الباب ، فإذا صار جمرا فدعوهم فإنهم لا يقدرون على الخروج ، فإذا أصبحنا قتلناهم ففعلوا ، فقال شبيب لأصحابه: لئن صبحكم هؤلاء إنه لهلاككم ، فأتوا باللبود فبلوها بالماء ، ثم ألقوها على الجمر ، ثم خرجوا على القوم فضربوهم بالسيوف ، فضارب الحارث حتى صرع ، واحتمله أصحابه وانهزموا ، وخلوا العسكر وما فيه ، ومضوا حتى نزلوا المدائن ، فكان ذلك أول جيش هزمه شبيب .