وفي هذه السنة ثار الناس بالحجاج بالبصرة
وذلك أنه خرج من الكوفة بعد أن قتل ابن ضابئ حتى قدم البصرة ، فقام فيهم بخطبة مثل التي قام بها في الكوفة ، وتوعدهم مثل وعيده أولئك ، فأتي برجل من بني يشكر فقيل له: إن هذا عاص ، قال: إن بي فتقا ، وقد رآه بشر فعذرني ، وهذا عطائي مردود إلى بيت المال ، فلم يقبل منه وقتله ، ففزع لذلك أهل البصرة ، فخرجوا حتى أدركوا العارض بقنطرة رامهرمز ، وخرج الحجاج ونزل رستقباذ ، وكان بينه وبين [ ص: 165 ] المهلب ثمانية عشر فرسخا ، فقام في الناس ، فقال: إن الزيادة التي زادكم ابن الزبير في أعطياتكم زيادة فاسق منافق ، ولست أجيزها ، فقام إليه عبد الله بن الجارود العبدي ، فقال: إنها ليست بزيادة فاسق منافق ، ولكنها زيادة أمير المؤمنين عبد الملك قد أثبتها لنا ، فكذبه وتوعده ، فخرج على ابن الجارود الحجاج وبايعه وجوه الناس ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل وجماعة من أصحابه ، وبعث برأسه ورؤوس عشرة من أصحابه إلى ابن الجارود المهلب ، ونصبت برامهرمز للناس ، وانصرف إلى البصرة ، وكتب إلى المهلب وإلى عبد الرحمن بن مخنف: أما بعد ، فإذا أتاكم كتابي هذا فناهضوا الخوارج ، والسلام .
فلما وصل الكتاب إليهما ناهضا الأزارقة يوم الاثنين لعشر بقين من شعبان -وقيل: يوم الأربعاء لعشر بقين من رمضان- فأجلوهم عن رامهرمز من غير قتال ، فذهبوا إلى أرض يقال لها كازرون ، فسارا وراءهم حتى نزلا بهم في أول رمضان ، فخندق المهلب عليه ، وقال لعبد الرحمن: إن رأيت أن تخندق عليك فافعل ، فأبى أصحاب عبد الرحمن ، وقالوا: إنما خندقنا سيوفنا ، فزحفت الخوارج إلى المهلب ليلا ليبيتوه ، فوجدوه قد أخذ حذره ، فمالوا: إلى عبد الرحمن فقاتلوه ، فانهزم عنه أصحابه ، فنزل فقاتل فقتل في جماعة من أصحابه .
وكتب المهلب بذلك إلى الحجاج ، فبعث مكانه عتاب بن ورقاء ، وأمره أن يسمع للمهلب ويطيع ، فساءه ذلك ولم يجد بدا من طاعة الحجاج ، فجاء حتى أقام في العسكر وقاتل الخوارج ، وكان لا يكاد يستشير المهلب في شيء ، فأغرى به المهلب رجالا من أهل الكوفة منهم بسطام بن مصقلة .
وجرى بين المهلب وعتاب يوما كلام ، فذهب المهلب ليرفع القضيب عليه ، فوثب إليه ابنه المغيرة ، فقبض على القضيب ، وقال: شيخ من شيوخ العرب ، فاحتمله وقام عتاب فاستقبله بسطام يشتمه ويقع فيه ، فكتب إلى الحجاج يشكو المهلب ويخبره أنه قد أغرى به سفهاء المصر ، فبعث إليه أن أقدم .