فمن الحوادث فيها مسير إلى عبد الملك بن مروان العراق لحرب ابن الزبير .
وكان عبد الملك لا يزال يقرب من مصعب ، ويخرج مصعب ، ثم تهجم الشتاء فيرجع كل واحد منهما إلى موضعه ، ثم يعودان . ثم إن عبد الملك خرج من الشام يريد مصعبا من سنة سبعين ومعه خالد بن عبد الله ، فقال له خالد: إن وجهتني إلى البصرة وأتبعتني خيلا يسيرة رجوت أن أغلبك عليها ، فوجهه عبد الملك ، فقدمها مستخفيا في مواليه وخاصته حتى نزل على عمرو بن أصمع الباهلي ، فأجاره وأرسل إلى عباد بن الحصين -وكان على شرطة ابن معمر ، وكان مصعب إذا شخص عن البصرة استخلف عبيد الله بن عبد الله بن معمر- ورجا عمرو بن أصمع أن يتابعه عباد ، فقال له: إني قد أجرت خالدا ، وأحببت أن تعلم ذلك لتكون لي ظهرا ، فوافاه رسوله حين نزل عن فرسه ، فقال له عباد: قل له: والله لا أضع لبد فرسي حتى آتيك في الخيل ، فقال عمرو لخالد:
إني لا أغرك ، هذا عباد يأتينا الساعة ، ولا والله ما أقدر على منعك ، ولكن عليك بمالك بن مسمع .
فخرج يركض ، عليه قميص قوهي قد حسره عن فخذيه ، وأخرج رجليه من الركابين حتى أتى فقال: إني قد اضطررت إليك فأجرني ، قال: نعم . ووجه مالكا ، مصعب زحر بن قيس مددا لابن معمر في ألف ، ووجه عبد الملك عبد الله بن [ ص: 111 ] زياد بن ظبيان مددا لخالد ، فلما وصل علم تفرق الناس ، فلحق بعبد الملك ودافع مالك بن مسمع عن خالد ، وكانت تجري مناوشات وقتال ، وأصيبت عين مالك بن مسمع فضجر من الحرب ، ومشت السفراء بينهم ، [فصولح على أن يخرج مالك] خالد وهو آمن ، فأخرجه من البصرة .
فصل
ولما جد عبد الملك في قتال مصعب قيل له: لو بعثت غيرك ، فقال: إنه لا يقوم بهذا الأمر إلا قرشي له رأي ، ولعلي أبعث من له شجاعة ، ولا رأي له ، وإني أجد في نفسي أني بصير بالحرب ، شجاع بالسيف إن ألجئت إلى ذلك ، ومصعب شجاع ولا علم له بالحرب ، ومن معه يخالفه ، ومن معي ينصح لي .
أخبرنا قال: أخبرنا ابن ناصر ، عبد المحسن بن محمد ، قال: أخبرنا عبد الكريم بن محمد المحاملي ، قال: أخبرنا قال: أخبرنا الدارقطني ، أحمد بن محمد بن سالم ، قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب ، قال: حدثنا الزبير ، قال: حدثني عمر بن أبي بكر القرشي ، عن عبد الله بن أبي عبيدة ، قال: لما أراد عبد الملك الخروج إلى مصعب أتته امرأته عاتكة بنت يزيد فبكت وبكى جواريها ، فجلس ثم قال: قاتل الله ابن أبي جمعة حيث يقول:
إذا ما أراد الغزو لم يثن همه حصان عليها نظم در يزينها نهته فلما لم تر النهي عاقه
بكت وبكى مما عناها قطينها
[ ص: 112 ]
فأرسل إليه عبد الملك بأخيه محمد بن مروان يقول له: إن ابن عمك يعطيك الأمان ، فقال مصعب: إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالبا أو مغلوبا .
فأثخن مصعب بالرمي ، ثم شد عليه زائدة بن قدامة فطعنه وقال: يا لثارات المختار ، ونزل إليه عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه ، وقال: إنه قتل أخي ، فأتى به عبد الملك فأثابه ألف دينار ، فأبى أن يأخذها وقال: إنما قتلته على وتر صنعه بي ، فلا آخذ في حمل رأسه مالا .
وكان قتل مصعب على نهر يقال له الدجيل ، ثم دعا عبد الملك أهل العراق فبايعوه .