كان يقال لأبيه ربيعة المقترين ، لجوده وسخائه ، قدم في وفد فأسلموا ورجعوا إلى بلادهم وذلك بعد وفاة أخيه أربد وعامر بن الطفيل ، ثم هاجر وحسن إسلامه ، ونزل الكوفة في أيام ، وكان من الشعراء المجودين في الجاهلية وفي الإسلام . وقال له عمر المغيرة : أنشدني ما قلت من الشعر في الجاهلية والإسلام ، فقال: قد أبدلني الله بذلك سورة البقرة وآل عمران . وقال أبو عبيدة: لم يقل لبيد في الإسلام إلا بيتا واحدا ، وهو هذا:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى لبست من الإسلام سربالا
قال عمرو بن شيبة ، حدثني عبد الله بن محمد بن حكيم ، قال: كان لبيد من أجواد العرب ، وكان قد آلى ألا تهب الصبا إلا أطعم ، وكان له جفنتان يغدى بهما ويراح في كل يوم على أهل مسجد قومه ، فهبت الصبا يوما والوليد بن عقبة على الكوفة ، فصعد الوليد المنبر فخطب الناس ، ثم قال: إن أخاكم لبيد بن ربيعة نذر في الجاهلية ألا تهب الصبا إلا أطعم ، وهذا يوم من أيامه ، وقد هبت الصبا فأعينوه ، وأنا أول من فعل ، ثم نزل عن المنبر ، فأرسل إليه بمائة بكرة ، وكتب إليه بأبيات قالها:ما أرى الجزار يشحذ شفرتيه إذا هبت رياح أبي عقيل
أشم الأنف أصيد عامري طويل الباع كالسيف الصقيل
إذا هبت رياح أبي عقيل دعونا عند هبتها الوليدا
[ ص: 180 ] أشم الأنف أروع عبشميا أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأن ركبا عليها من بني حام قعودا
أبا وهب جزاك الله خيرا نحرناها وأطعمنا الثريدا
فعد إن الكريم له معاد وظني بابن أروى أن تعودا
ولما بلغ لبيد سبعا وسبعين سنة ، قال:
باتت تشكى إلي النفس مجهشة وقد حملتك سبعا بعد سبعينا
فإن تراءى ثلاثا تبلغي أملا وفي البلاد وفاء للثمانينا
كأني قد جاوزت تسعين بعد ما خلعت بها عن منكبي ردائيا
أليس في مائة قد عاشها رجل وفي تكامل عشر بعدها عمر
ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس كيف لبيد
أسلمت بمكة ، وبايعت قبل الهجرة ، وهي بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أول من هاجر من النساء المدينة ، هاجرت في هدنة الحديبية .
أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن بيان ، قال: أخبرنا أبو منصور أحمد بن محمد السواق ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك ، قال: [ ص: 181 ] أخبرنا ، قال: حدثنا إبراهيم الحربي محمد بن صالح ، عن محمد بن عمر ، عن ربيعة بن عثمان وقدامة ، قالا: لا نعلم قرشية خرجت من بين أبويها مسلمة مهاجرة إلا أم كلثوم . قالت: كنت أخرج إلى بادية لنا فيها أهلي فأقيم بها الثلاث والأربع ، وهي ناحية التنعيم ، ثم أرجع إلى أهلي فلا ينكرون ذهابي البادية ، حتى أجمعت المسير ، فخرجت يوما من مكة كأني أريد البادية ، فلما رجع من تبعني إذا رجل من خزاعة [قال: أين تريدين؟ قلت: وما مسألتك ومن أنت؟ قال رجل من خزاعة ] اطمأننت إليه لدخول خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده - فقلت: إني امرأة من قريش ، وإني أريد اللحوق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا علم لي بالطريق ، فقال: أنا صاحبك حتى أوردك المدينة ، ثم جاءني ببعير فركبته فكان يقود بي البعير ، ولا والله ما يكلمني بكلمة حتى إذا أناخ البعير تنحى عني ، فإذا نزلت جاء إلى البعير فقيده بالشجر ، وتنحى إلى فيء شجرة حتى إذا كان الرواح خدج البعير فقربه وولى عني ، فإذا ركبت أخذ برأسه فلم يلتفت وراءه حتى أنزل ، فلم يزل كذلك حتى قدمنا المدينة ، فجزاه الله من صاحب خيرا .
فدخلت على وأنا متنقبة ، فما عرفتني حتى كشفت النقاب فالتزمتني وقالت: هاجرت إلى الله وإلى رسوله؟ قلت: نعم ، وأنا أخاف أن يردني كما رد أم سلمة أبا جندل وأبا بصير ، وحال الرجال ليس كحال النساء ، والقوم مصبحي قد طالت غيبتي عنهم اليوم خمسة أيام منذ فارقتهم ، وهم يتحينون قدر ما كنت أغيب ثم يطلبوني فإن لم يجدوني رحلوا .
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ، فأخبرته خبر أم سلمة أم كلثوم ، فرحب بها وسهل ، فقلت: إني فررت إليك بديني فامنعني ولا تردني إليهم يفتنوني ويعذبوني ولا صبر لي على العذاب ، إنما أنا امرأة وضعف النساء على ما تعرف ، وقد رأيتك رددت رجلين حتى امتنع أحدهما ، فقال: "إن الله عز وجل نقض العهد في النساء" وحكم في ذلك بحكم رضوه كلهم وكان يرد النساء ، فقدم أخواها الوليد وعمارة من الغد ، فقالا: أوف لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه ، فقال: "قد نقض الله ذلك" فانصرفا . [ ص: 182 ]
قال مؤلف الكتاب: ومعنى ، وذلك أنه كان يقول للمرأة: نقض العهد في النساء ، نزول الامتحان في حقهن والله ما أخرجك إلا حب الله ورسوله والإسلام ، ولا خرجت لزوج ولا مال ، فإذا قالت ذلك تركت ولم ترد .
وكانت أم كلثوم عذراء ، فتزوجها ، فلما قتل عنها ، تزوجها زيد بن حارثة الزبير فولدت له ، ثم تزوجها فولدت له ، ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف فماتت عنده . [ ص: 183 ] عمرو بن العاص