فصل: قال مؤلف الكتاب: واختلف العلماء في سبب نقض حكم الصحيفة على قولين:
[ ص: 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
[تتمة السنة الثامنة من البعثة]
فصل
واختلف العلماء في على قولين: سبب نقض [حكم] الصحيفة
أحدهما: أن الله تعالى أطلع نبيه [صلى الله عليه وسلم] على أمر صحيفتهم ، وأن الأرضة قد أكلت ما كان فيها من جور وظلم ، وبقي ما كان [فيها] من ذكر الله تعالى ، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب ، فقال أبو طالب: أحق ما تخبرني به يا ابن أخي . قال: نعم والله . فذكر ذلك أبو طالب لإخوته وقال: والله ما كذبني قط . قالوا: فما ترى؟ قال: أرى أن تلبسوا أحسن ثيابكم ، وتخرجوا إلى قريش ، فتذكروا [ذلك] لهم من قبل أن يبلغهم الخبر . فخرجوا حتى دخلوا المسجد ، فقال أبو طالب: إنا قد جئنا لأمر فأجيبونا فيه . قالوا: مرحبا بكم وأهلا . قال: إن ابن أخي قد أخبرني - ولم يكذبني قط - أن الله عز وجل قد سلط على صحيفتكم الأرضة ، فلحست كل ما فيها من جور أو ظلم أو [ ص: 4 ] قطيعة رحم ، وبقي فيها كل ما ذكر به الله ، فإن كان ابن أخي صادقا نزعتم عن سوء رأيكم ، وإن كان كاذبا دفعته إليكم فقتلتموه واستحييتموه إن شئتم . قالوا: قد أنصفت .
فأرسلوا إلى الصحيفة ، فلما فتحوها إذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسقط في أيدي القوم ، ثم نكسوا [على] رءوسهم . فقال أبو طالب: هل تبين لكم أنكم أولى بالظلم والقطيعة ، فلم يراجعه أحد منهم ، ثم انصرفوا .
رواه محمد بن سعد عن أشياخ له .
والثاني: أن هشام بن عمرو بن الحارث العامري مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة ، فقال: يا زهير ، أرضيت أن تأكل الطعام ، وتلبس الثياب ، وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت ، لا يباعون ، ولا يبتاع منهم ، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم ، أما إني أحلف بالله: لو كان أخوك أبو الحكم بن هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك منهم أبدا . قال: ويحك يا هشام ، فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد ، والله لو كان معي آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها . قال: قد وجدت رجلا . قال: من هو؟ قال: أنا . قال: ابغنا ثالثا . فذهب إلى المطعم بن عدي فقال: يا مطعم ، أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف وأنت موافق لقريش في ذلك ؟ قال: ويحك ، ماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد . قال: قد وجدت ثانيا . قال: من هو؟ قال: أنا . قال: ابغنا ثالثا . قال: قد وجدت . قال: من هو؟ قال: زهير بن أبي أمية . قال: ابغنا رابعا . فذهب إلى أبي البختري بن هشام فقال له نحوا مما قال لمطعم بن عدي .
فقال: فهل من أحد يعين على هذا؟ قال: نعم . قال: من هو؟ قال: زهير ، والمطعم ، [ ص: 5 ] وأنا معك ، قال: ابغنا خامسا . فذهب إلى زمعة بن الأسود فكلمه وذكر له قرابتهم .
فقال: وهل لك معين؟ قال: نعم . فسمى له القوم ، فاتعدوا خطم الحجون التي بأعلى مكة ، واجتمعوا هنالك وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها . فقال زهير: أنا أبدؤكم . فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم ، وكانت قريش قد تجاوزت الكعبة ، فكان شق البيت لبني عبد مناف وزهرة ، وكان ما بين الركن الأسود واليماني لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش ضموا إليهم ، وكان ظهر البيت لبني جمح وبني سهم ، وكان شق الحجر - وهو الحطيم - لبني عبد الدار ، ولبني أسد بن عبد العزى ، وبني عدي بن كعب ، فغدا زهير فطاف بالبيت سبعا ، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة ، إنا نأكل الطعام ، ونشرب الشراب . ونلبس الثياب ، وبنو هاشم هلكى ، لا يباعون ولا يبتاع منهم ، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة . فقال أبو جهل: كذبت ، والله لا تشق . فقال زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب ، ما رضينا كتابتها حين كتبت . فقال أبو البختري : صدق زمعة ، لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به: فقال المطعم: صدقتما وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها .
وقال نحوا من ذلك . فقال هشام بن عمرو أبو جهل: هذا أمر قضي بليل وتشوور فيه بغير [هذا المكان] فقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها ، فوجد الأرضة قد أكلتها ، إلا ما كان من "باسمك اللهم" . [ ص: 6 ]
وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن هاشم ، فشلت يده .
هذا قول . ابن إسحاق