أنطونس السائح : حديث
أخبر عبد الله بن علي المقري ، قال: أخبرنا طراد بن محمد الزينبي ، قال: أخبرنا علي بن محمد بن بشران ، قال: حدثنا الحسين بن صفوان ، قال: حدثنا أبو بكر القرشي ، قال: ذكروا أن ملكا بعد زمان المسيح عاش ثلاثمائة وعشرين سنة ، فلما حضرته الوفاة بعث إلى ثلاثة نفر من عظماء [ أهل ] مملكته ، فقال لهم: قد نزل بي ما ترون وأنتم رءوس أهل مملكتكم ، ولا أعرف أحدا أولى بتدبير رعيتكم منكم ، وقد كتبت عهدا جعلته إلى ستة نفر من خياركم ليختاروا رجلا منكم لتدبير مملكتكم ، فسلموا ذلك لمن اجتمع عليه ملؤكم ، وإياكم والاختلاف فتهلكون أنفسكم ورعيتكم ، فقالوا: بل [ ص: 188 ] يمن الله علينا بطول مدتك ، فقال: دعوا هذه المقالة وأقبلوا على ما وصفت لكم .
فلم تمض غير ليلة حتى هلك ، فدب أولئك الثلاثة إلى الستة ، فصار كل رجلين من الستة يدعوان إلى رجل من الثلاثة ، فلما رأى ذلك حكماؤهم قالوا: قد افترقت كلمتهم وبحضرتكم من لا يتهم في حكمه فمن أشار إليه [ منكم ] سلمتم هذا الأمر له ، وكان بحضرتهم رجل سائح يقال له أنطونس في غار معروف قد تخلى عن الدنيا ، فاجتمعت كلمتهم على الرضا بمن أشار إليه السائح ، فوكلوا بالمملكة رجلا من الستة وانطلق الثلاثة إليه يقصون عليه قصتهم ، فقال: ما أرى أني انتفعت باعتزالي عن الناس ، ومثلي كمثل رجل كان في منزل غشيه فيه الذباب ، فتحول إلى منزل فغشيه فيه الأسد ، فقالوا: وما عليك أن تشير إلى أفضلنا في نفسك ؟ قال: ما علمي بأفضلكم وأنتم جميعا تطلبون أمرا واحدا ، وأنتم فيه سواء .
فطمع بعضهم إن هو أظهر الكراهية للملك أن يشير إليه ، فقال: أما أنا فغير منساح لصاحبي هذين [ في الملك ] ، وإن السلامة لدي لفي اعتزال هذا الأمر ، قال السائح : ما أظن صاحبيك يكرهان اعتزالك ، فأشر إلي بأحدهما وأتركك ، قال: بل تختار ما بدا لك ، قال: ما أراك إلا قد نزعت عن قولك فصرتم عندي بمنزلة واحد غير أني سأعظكم وأضرب لكم أمثال الدنيا وأمثالكم فيها وأنتم أعلم .
فأخبروني هل عرفتم غايتكم من العمر ؟ قالوا: لا لعل ذلك يكون طرفة عين ، قال: فلم تخاطرون بهذه الغرة ؟ قالوا: رجاء طول المدة ، قال: كم أتت عليكم سنة ؟ قالوا: أصغرنا ابن خمس وثلاثين ، وأكبرنا ابن أربعين ، قال: فاجعلوا أطول ما ترجون من العمر مثل سنيكم التي عمرتم ، قالوا: لسنا نطمع في أكثر من ذلك ، ولا خير في العمر بعد ذلك ، قال: أفلا تبتغون فيما بقي من أعماركم ما ترجون من ملك لا يبلى ، ونعيم لا يتغير ، ولذة لا تنقطع ، وحياة لا يكدرها الموت ، ولا تنغصها الأحزان ولا الهموم ولا الأسقام ؟ قالوا: إنا نرجو أن نصيب ذلك بمغفرة من الله ورحمة .
قال: قد كان من أصابه العذاب من القرون الأولى يرجون من الله ما ترجون ، و [ لا ] يؤملون ما [ ص: 189 ] تؤملون ، ويصيعون العمل حتى نزل بهم من العقوبة ما بلغكم يوشك من سلك المفازة بغير ماء أن يهلك عطشا ، أراكم تتكلون على الرجاء في هلاك أبدانكم ، ولا تتكلون عليه في صلاح معايشكم ، أرأيتك مدائنكم التي بنيتموها واعتقدتم فيها الآيات ، لو قيل لكم سينزل عليكم ملك بجيوشه فيعم أهلها بالقتل ، وبنيانها بالهدم ، هل كنتم تطيبون نفسا بالمقام فيها والبنيان بها ؟ قالوا: لا ، قال: فو الله إن أمر هؤلاء الآدميين لصائر إلى هذا .
قالوا: قد أشربت قلوبنا حب الدنيا ، قال: مع الأسفار البعيدة تكون الأرباح الكثيرة ، فيا عجبا للجاهل والعالم كيف استويا في هلاك أنفسهما ، إلا أن الذي يسرق ولا يعرف عقوبة السارق أعذر من العارف بعقوبته ، وإني أرى هذا العالم يبذلون أنفسهم دون أموالهم ، فكأنهم لا يصدقون بما يأتيهم به أنبياؤهم . قالوا: ما سمعنا أحدا من أهل الملك يكذب شيئا مما جاءت به الأنبياء ، قال: من ذلك اشتد عجبي من اجتماعهم على التصديق ومخالفتهم في الفعل .
قالوا: أخبرنا كيف أول معرفتك للأمور ؟ قال: من قبل الفكر تفكرت في هلاك هذا العالم ، فإذا ذلك من قبل أربعة أشياء جعلت فيهن اللذات ، وهي أربعة أبواب مركبة في الجسد ، منها ثلاثة في الرأس: العينان والمنخران والحنك ، وواحد في البطن وهو الفرج ، فالتمست خفة المؤنة في هذه الأبواب فوجدت أيسرها مئونة باب المنخرين ، ثم التمست الخفة المئونة الحنك ، فإذا هو غذاء لا قوام للجسد إلا به ، فإذا صارت تلك المئونة في الوعاء استقرت ، فتناولت ما تيسر من المطعم والمشرب ، وصرت بمنزلة رجل كان يتخذ الرماد من الخلنج والصندل فثقلت عليه المئونة ، فاتخذ الرماد من الزبل والحطب . ونظرت في مئونة الفرج فإذا هو والعينان موصلان بالقلب ، فلم أجد شيئا أصلح لهما من العزلة وبغض إلي منزلي الذي كان فيه مقامي مع من لا يعقل إلا أمر دنياه ، فتخببت هذا المنزل فقطعت عني أبواب الخطيئة ، وحسمت في نفسي لذات أربعا وقطعتهن بخصال أربع .
[ ص: 190 ] قالوا: ما اللذات ؟ قال: المال ، والبنون ، والأزواج ، والسلطان ، فقطعتهن بالهموم والأحزان والخوف وذكر الموت . وقطعت ذلك أجمع بالعزلة ، وأي خير في لذة والموت يعقبها ، كونوا كرجل خرج مسافرا فغشي مدينته العدو فأصابوا أهلها ، فحمد الله على ما صرف عنه ، [ ولقد عجبت كيف ينتفعون بلذتها مع همومها وأحزانها وما تجرعهم ] من مرارتها بعد حلاوتها ، واشتد عجبي من أهل العقول ، كأنهم يريدون أن يهلكوا كما هلك صاحب الحية ، قالوا: أخبرنا كيف كان أمر صاحب الحية ؟
قال: زعموا أن رجلا كان في داره حية قد عرفوه مكانها ، وكانت تلك الحية تبيض كل يوم بيضة من ذهب ، فخرجت يوما فنهشت عنزا لهم حلوبا فهلكت ، فجزع الرجل وأهله ، وقالوا: الذي نصيب من الحية أفضل من ثمن العنز ، فلما كان رأس الحول غدت على حمار فنهشته فقتلته ، فجزع الرجل وقال: سنصبر على هذه الآفات ما لم تعد البهائم . ثم مر عامان لا تؤذيهم وهم مسرورون بجوارها إذ عدت على عبد الرجل فنهشته فهلك ، فجزع وقال: ما آمن أن يلسع بعض أهلي فمكث حزينا خائفا وقال: أرى سم هذه الحية في مالي وأنا أصيب منها أفضل مما رأيت . فلم يلبث إلا يسيرا حتى نهشت ابن الرجل ، فارتاع ودعا بالدرياق وغيره فلم يغن عنه ، وهلك الغلام ، فاشتد جزع والديه ونسيا كل لذة أصاباها وقالا: لا خير لنا في جوار هذه الحية ، والرأي قتلها .
فلما سمعت الحية ذلك تغيبت عنهم أياما لا يرونها ولا يصيبون من بيضها ، فلما طال ذلك عليهما تاقت أنفسهما إلى ما كانا يصيبان منها ، فأقبلا على حجرها وجعلا يقولان: ارجعي ولا تضرينا ولا نضرك ، فرجعت فمكثت عامين لا ينكرون منها شيئا ، ثم دنت إلى امرأة الرجل فنهشتها ، فصاحت ، فثار زوجها يعالجها بالدرياق فلم يغن عنها ، وهلكت المرأة ، فبقي الرجل كئيبا ، وأظهر أمر الحية لإخوانه وأهل وده ، فأشاروا عليه بقتلها ، وقالوا: لقد فرطت في أمرها حين تبين لك غدرها ، ولقد كنت مخاطرا بنفسك ، فعزم على قتلها .
فبينا هو يراصدها [ اطلع في ] حجرها ، فرأى فيه درة صافية وزنها [ ص: 191 ] مثقال ، فلزمه الطمع وقال: لقد غير الدهر طبع هذه الحية ولا أحسب سمها إلا قد تغير ، فجعل يتعاهد حجرها بالكنس والبخور ورش الماء ، وعمد إلى ما كان عنده من الذهب فعمل منه حقا فجعل فيه ذلك الدرر وجعل الحق تحت رأسه ، فبينما هو ذات ليلة نائم ذهبت إليه فنهشته ، فجعل يستغيث بصوت عال ، فأقبل عليه أهله وجيرانه يلومونه ، فأخرج إليهم الحق وأراهم ما فيه ، فقالوا: ما أقل غنا هذا عنك اليوم ، فهلك ، فقالوا: أبعده الله ، هو قتل نفسه .
قال: ولقد عجبت لأهل العقول يعرفون الأمر الذي ضربنا له هذه الأمثال ولا ينتفعون بالمعرفة ، ويل لهم لو قد أصابهم ما أصاب صاحب الكرم ، قالوا: وكيف كان ذلك ؟ قال: زعموا أنه كان رجل له كرم واسع كثير العنب ، متصل الشجر ، فاستأجر لكشح الكرم وقطفه ثلاثة ، ووكل كل رجل بناحية ، وقال: كلوا من العنب ما شئتم وكفوا عن هذه الثمار . فأخذ أحدهم على حفظ ما أمر به وقبع يأكل العنب وحده ، وفعل الآخر مثل ذلك حينا ثم تاقت نفسه إلى الثمار فتناولها ، وأقبل الثالث على أكل الثمار وترك العمل ففسدت ناحيته ، فقدم صاحب الكرم ، فحمد الأول وأعطاه فوق أجره ، وعاقب الثاني بقدر ذنبه ، وبالغ في عقوبة الثالث . فهكذا أعمالكم في الآخرة يوم تجزى كل نفس ما عملت .
قال: ولقد عجبت لأهل الأمل وطمعهم في طول العمر ، ووجدت أعدى الناس الأولاد ، استكثر الآباء لهم وأتعبوا أنفسهم في إصلاح معايشهم بهلاك أنفسهم كصاحب السفينة ، قالوا: كيف كان ذلك ؟ قال: زعموا أنه كان رجل نجار يعمل بيده فيصيب كل يوم درهما ، ينفق نصفه على أب له شيخ كبير وامرأة له وابن وبنت ، ويدخر لنفسه نصفه ، فعمل زمانا وعاش بخير ، فنظر يوما فإذا هو قد استفضل مائة دينار ، فقال: لو عملت سفينة واشتغلت بتجارة البحر رجوت أن أتمول ، فقال له أبوه: لا تفعل ، فإن رجلا من المنجمين أخبرني [ ص: 192 ] أيام ولدت أنك تموت غريقا ، قال: فما أخبرك أني أصيب مالا ؟ قال: بلى لذلك نهيتك عن التجارة والتمست لك عملا تعيش فيه يوما بيوم ، قال: أتجر ، وإن عشت عشت بخير ، وإن مت تركت أولادي بخير ، قال: يا ولدي لا يكونن ولدك آثر عندك من نفسك .
فعمل سفينة وركب فيها بتجارة فغاب سنة ، ثم قدم بمائة قنطار ذهبا ، فحمد الله والده وقال: يا بني ، إني كنت نذرت لله تعالى إن ردك سالما أن أحرق السفينة ، قال: لقد أردت هلاكي ، قال: إنما أردت حياتك ، فأقبل على الشكر فقد أصبت غنى الدهر ، فلم يقبل ، وخرج فغاب سنة وبعض أخرى ، فقدم بأضعاف ما قدم به أول مرة ، فقال لأبيه: لو كنت أطعتك لم أصب هذا المال ، قال: يا بني إنما أراك تعمل لغيرك وسيجرعك ما ترى غصة فتتمنى لو كان بينك وبين هذه البلدة جبال المشرق ، قال: يا أبت أرجو أن يكون المنجم أصاب في الغنى وأخطأ في الغرق .
ثم صنع سفينة أخرى ، فبكى أبوه ، فرق لذلك وقال: يا أبت ، والله لئن ردني الله سالما لا ركبت بحرا ما عشت ، قال: يا بني ، اليوم أيقنت تفقدك . فمضى ، فلما توسط البحر أصابه موج فضربت إحدى سفينته الأخرى فانصدعتا فغرقتا ، فجعل يتأسف على عصيان أبيه وهلك ومن معه ، فبلغ الخبر أباه فكمد حتى هلك ، وقسم الميراث على امرأة التاجر وابنه وابنته ، فتزوجوا وصار ذلك المال إلى أزواجهن ، فكل ما يجمع الأشقياء إلى ذلك يصير .
ولقد عجبت للمؤثر على نفسه المؤثر غيره ، ويحك ما تبلغ بالكفاف لا تؤثر غيرك فتلقى ما لقي صاحب الحوت ، قالوا: ما لقي ؟ قال: زعموا أن صياد سمك أصاب في صيده حوتا عظيما ، فقال: ما أحد أحق بأكله مني ، ثم بدا له فأهداه إلى جاره ، فأهداه الجار إلى مقعد مسكين ، فجعل الصياد يندم ويقول: حرمته نفسي وصار إلى أعدى الناس لي .
ولقد عجبت لهذا الشغل الذي غر العقلاء والجهال حتى هلكوا جميعا بالرجاء والطمع كما هلك اليهودي والنصراني ، قالوا: وكيف كان ذلك ؟ قال: اصطحب يهودي ونصراني إلى أرض فصارا في عمران ومياه إلى أن انتهيا إلى بئر وراءها مفازة مسيرتها أربعة أيام ، ومع كل واحد منهما قربته ، فملأ اليهودي قربته وأراد النصراني أن يملأ قربته ، فقال له اليهودي: تكفينا قربتنا هذه ولا ننقل دوابنا ، فقال النصراني: أنا أعلم بالطريق ، فقال اليهودي: تريد إلا أن تشرب الماء كلما عطشت ؟ قال: نعم ، فترك [ ص: 193 ] النصراني قربته فارغة .
فلما توسط المفازة أصاب القربة سهم فنفد ما فيها ، فقعدا يتلاومان ، فمر بهما رجل معه ماء ، فقالا: احتسب علينا شربة من ماء ، فقال: هذا طريق ليس فيه حسبه ، قالا له: فما دينك ؟ قال: فما دينكما أنتما ؟ قالا: فإن أحدنا يهودي والآخر نصراني فقال: اليهودي والنصراني والمسلم إذا لم يعمل بما في كتابه واتكل على الطمع لقي ما لقيتما ، فقالا: هذا رجل حازم ، قال: ما يغني عنكما حزمي . فينبغي للعاقل أن يأخذ بالحزم في أمر آخرته كما يأخذ بالحزم في أمر دنياه ولا يتكل على الطمع .
ولقد عجبت لأهل الأعمال السيئة ، يستترون من الخلق دون الخالق ، كيف أمنوا أن يصيبهم ما أصاب صاحب الدير ؟ قالوا: كيف كان ذلك ؟ قال: زعموا أن رجلا كان يبيع العسل والزيت والسمن ، يشتريه نقيا ويبيعه مغشوشا ، وكان ذا لحية عظيمة ، وكان أكثر من يراه يقول: لو كنت أسقفا فما صلحت لحيتك إلا للأساقفة ، فأقبل على تعلم الإنجيل والمزامير وترهب طلبا للدنيا ، فولوه أمرهم فنقص أرزاقهم ، وغير مراتبهم ، وتفرغ للذته ، فانتدب له سياط ، فجعل يلوم الرهبان ويقول: هذا ما عمل بكم حسن نظركم في طول اللحى ، ثم آل أمره إلى أن أحرق .
ولقد عجبت لأهل المصائب كيف [ لا ] يستعينون بالصبر ، وإنه سيأتي على صاحب المصيبة يوم يتمنى فيه مثل ما يتمنى الأعمى في مصيبته . قالوا: وما تمنى الأعمى ؟ قال: زعموا أن تاجرا دفن مائة دينار في موضع فبصر بها جار له فأخرجها وأخذها ، فلما فقدها التاجر جزع ، ثم طال به العمر فعمي واحتاج ، فلما حضرت جاره الوفاة أوصى برد المال إلى الأعمى ، فسر سرورا شديدا إذ رد إليه المال أحوج ما كان إليها ، فقال: ليت كل مالي قبض يومئذ . وكذلك من له عمل صالح .
ولقد عجبت من فقد عقولهم ، كيف لا يعملون بما يعلمون ، كأنهم يريدون أن يهلكوا كما هلك صاحب السيل ، قالوا: وكيف كان ذلك ، [ ص: 194 ] قال: زعموا أن رجلا نزل بطن مسيل ، فقيل له: تحول فهذا منزل خطر ، قال: قد علمت ، ولكن يعجبني نزهته ، فقيل: إنما تطلب الرفق لصلاح نفسك فلم تخاطر بها ، فغشيه السيل فذهب به ، فقالوا: أبعده الله .
قال أنطونس : فلو أخذنا بالحزم كنا كأصحاب أصقولية ، قيل: كيف كان ذلك ؟ قال: بعث ملك أصقولية بعثا إلى أقزولية ، وكان المسير إليها في البحر ستين ليلة ، ولا زاد معهم إلا ما حملوه معهم ، وكان مع أصحاب أصقولية كاهنان ، فقال أحدهما: أما إن هذا الجيش لأصقولية سيقيمون على أقزولية سبعة أيام يرمونها بالمجانيق ، وتفتح في اليوم الثامن ، فقال الآخر: تقيمون سبعة وتنصرفون ، فعمل بعضهم على قول من قال بفتحها فقالوا: لا نعني أنفسنا بحمل الزاد ، وقال الآخرون: لا نخاطر ، فحملوا للبدأة والرجعة . فلما نزلوها لم تفتح ، فرجعوا فهلك من فرط في حمل الزاد .
فقال النفر لأنطونس : ما أحسن كلامك وأبلغ موعظتك ، فقال: أما إن حلاوة موعظتي لا تتجاوز آذانكم إن لم تعلموا أن جميع كتب الأنبياء ، إنما تجزون ما كنتم تعملون ، وانظروا في أعمالكم وانصرفوا عني ، فاقترعوا بينهم وملكوا أحدهم .