وفي هذه السنة: أبو العباس أخاه أبا جعفر إلى واسط لحرب يزيد بن عمر بن هبيرة . وجه
وقد سبق ذكرنا حال مع الجيش الذين لقوه من [أهل] يزيد بن عمر بن هبيرة خراسان مع قحطبة ، ثم ابنه الحسن إلى أن انهزم ولحق بواسط وتحصن بها . ولما انهزم تفرق عنه الناس ، وخلف على الأثقال قوما ، فذهبوا بتلك الأموال ، فقيل له: لو لحقت بمروان فإنه ليس بعد الحصار إلا القتل ، وكان يخاف من مروان؛ لأنه كان يكتب إليه في الأمر فيخالفه ، فخافه إن قدم عليه أن يقتله فسرح أبو سلمة الحسن بن قحطبة ، فخندق [ ص: 314 ] وخرج للقتال ، واقتتلوا ثم تحاجزوا ثم اقتتلوا بعد أيام ، فهزم أهل ابن هبيرة الشام هزيمة قبيحة ، فدخلوا المدينة فمكثوا ما شاء الله لا يقتتلون إلا رميا من وراء الفصيل ، ومكثوا على القتال أحد عشر شهرا ، فلما طال عليهم وجاءهم قتل مروان طلبوا الصلح .
وكان أصحاب قد تقاعدوا به حتى هم أن يدعو إلى ابن هبيرة محمد بن عبد الله بن الحسن ، وكتب إليه فأبطأ جوابه ، وجرت السفراء بين أبي جعفر وبين حتى جعل له أمانا ، وكتب بذلك ابن هبيرة كتابا مكث يشاور فيه العلماء أربعين يوما حتى رضيه ابن هبيرة ثم أرسله إلى ابن هبيرة ، أبي جعفر فأنفذه أبو جعفر إلى أبي العباس فأمره بإمضائه ، وكان رأي أبي جعفر الوفاء له بما أعطاه .
وكان أبو العباس لا يقطع أمرا دون أبي مسلم ، وكان أبو الجهم عينا لأبي مسلم على أبي العباس ، يكتب إليه بأخباره كلها ، فكتب أبو مسلم إلى أبي العباس: إن الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد ، ولا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة .
ولما تم الكتاب الذي كتبه لنفسه خرج ابن هبيرة إلى ابن هبيرة أبي جعفر في ألف وثلاثمائة ، فأراد أن يدخل الحجرة على دابته ، فقام إليه الحاجب سلام بن سليم ، فقال: مرحبا بك أبا خالد ، انزل راشدا ، وقد طاف بالحجرة نحو من عشرة آلاف من أهل خراسان فنزل ، ودعا له بوسادة فجلس عليها ، ثم دعا بالقواد فدخلوا ثم قال سلام: ادخل أبا خالد ، فقال: أنا ومن معي؟ فقال: إنما استأذنت لك وحدك ، فقام فدخل فحادثه ساعة ، ثم قام وأتبعه أبو جعفر بصره حتى غاب عنه ، ثم مكث يقيم عنه يوما ويأتيه يوما في خمسمائة فارس وثلاثمائة راجل ، فقال يزيد بن حاتم لأبي جعفر: أيها الأمير ، إن ليأتي فيتضعضع له العسكر ، وما نقص من سلطانه شيء ، فقال ابن هبيرة أبو جعفر لسلام: قل لابن هبيرة يدع الجماعة ويأتينا في حاشيته ، قال: فلما سمع ذلك تغير وجهه وجاء في حاشيته نحو من ثلاثين ، ثم كان بعد ذلك يأتي في ثلاثة ، ثم ألح أبو العباس [ ص: 315 ] على أبي جعفر [يأمره] بقتله ، وهو يراجعه ، حتى كتب إليه: والله لتقتلنه أو لأرسلن إليه من يخرجه من حجرتك ، ثم يتولى قتله . فأزمع على قتله ، فأخذ جماعة من أصحابه فقتلهم ، ثم بعث إليه من قتله .