وقد ذكرنا أن قوما يذكرون ويقولون: إنما أراد أن يجعل الأمر في آل أبي طالب ، فصار عند القوم بهذا متهما ، فتذاكروا بعد ظهور ما فعله السفاح أبو سلمة ، فقال قائل منهم: فما يدريكم لعل ما صنع أبو سلمة كان عن رأي أبي مسلم ، فقال أبو العباس: لئن كان هذا عن رأي أبي مسلم إنا بعرض بلاء ، إلا أن يدفعه الله عنا . ثم تفرقوا ، فأرسل أبو العباس إلى أبي جعفر فقال: ما ترى؟ فقال: الرأي رأيك ، قال: فاخرج إلى أبي مسلم حتى تعلم ما رأيه ، فليس يخفى عليك لو قد لقيته ، فإن كان عن رأيه أخذنا لأنفسنا ، وإن لم يكن عن رأيه طابت نفوسنا .
قال أبو جعفر: فخرجت على وجل ، فلما انتهيت إلى الري إذا صاحب الري قد أتاه كتاب أبي مسلم: أنه بلغني أن عبد الله بن محمد توجه إليك فإذا قدم فأشخصه ساعة يقدم عليك . فلما قدمت أتاني عامل الري ، فأخبرني بكتاب أبي مسلم وأمرني بالرحيل ، فازددت وجلا وخرجت وأنا خائف ، فسرت فلما كنت بنيسابور إذا عاملها قد [ ص: 313 ] أتاني بكتاب أبي مسلم: إذا قدم عليك عبد الله بن محمد فأشخصه ولا تدعه يقيم فإن الأرض أرض خوارج ولا آمن عليه ، فطابت نفسي ، وقلت: أراه يعنى بأمري . فسرت فلما كنت من مرو على فرسخين تلقاني أبو مسلم في الناس ، فلما دنا مني أقبل يمشي إلي حتى قبل يدي ، فقلت: اركب ، فركب . فدخلت مرو فنزلت دارا ، فمكثت ثلاثة أيام لا يسألني عن شيء ، ثم قال لي في اليوم الرابع: ما أقدمك؟ فأخبرته ، فقال: فعلها أبو سلمة أنا أكفيكموه . ثم دعا مرار بن أنس الضبي ، فقال له: انطلق إلى الكوفة فاقتل أبا سلمة حيث لقيته وانته في ذلك إلى رأي الإمام ، فقدم مرار الكوفة ، وكان أبو سلمة يسمر عند أبي العباس ، فقعد له في طريقه فلما خرج قتله ، وقالوا: قتلته الخوارج .
وقال سليمان بن المهاجر:
إن الوزير وزير آل محمد أودى فمن يشناك كان وزيرا
وكان أبو مسلم إذا جاء إلى أبي جعفر وهو بالري ينزل على باب الدار ثم يجلس في الدهليز ويقول للحاجب: استأذن لي ، فغضب أبو جعفر على حاجبه ، وقال له: ويلك! إذا رأيته فافتح له الباب ، وقل له يدخل على دابته . وانصرف أبو جعفر إلى أبي العباس ، فقال له: لست خليفة ولا آمرك بشيء إن تركت أبا ولم تقتله ، قال: وكيف؟ قال: والله ما يصنع إلا ما يريد ، فقال مسلم أبو العباس: اسكت واكتمها .