فمن الحوادث فيها وخلافة سليمان بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز . وفاة
باب ذكر خلافة
هو عمر بن عبد العزيز عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ، ويكنى أبا حفص ، وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
روى عن ابن عمر ، وأنس ، وعبد الله بن جعفر ، وعمر بن أبي سلمة ، . وأرسل الحديث عن جماعة من القدماء ، وروى عن خلق [كثير] من التابعين ، وكان عالما دينا . [ ص: 32 ] والسائب بن يزيد
أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري ، قال: أخبرنا قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه ، سليمان بن إسحاق الجلاب ، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال حدثنا محمد بن سعد [قال: أخبرنا أحمد بن أبي إسحاق ، قال: حدثنا إبراهيم بن عياش ، قال: حدثني ضمرة] ، قال: قال ابن شوذب:
لما أراد أن يتزوج عبد العزيز بن مروان أم عمر بن عبد العزيز قال لقيمه: اجمع لي أربعمائة دينار من طيب مالي فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح . فتزوج أم عمر بن عبد العزيز .
وما زال عمر يميل إلى الخير والدين مع أنه ولي الإمارة ، وكانوا يفزعون إليه في أحوالهم . ولما مرض سليمان كتب العهد لابنه أيوب ، ولم يكن بالغا ، فرده عن ذلك رجاء بن حيوة فقال له: فما ترى في ابني داود ، فقال له: هو بقسطنطينية ، وأنت لا تدري أحي هو أم ميت ، قال: فمن؟ فقال: رأيك يا أمير المؤمنين ، قال: كيف ترى في عمر؟
فقال: أعلمه والله فاضلا خيرا مسلما ، فقال: لئن وليته ولم أول أحدا من ولد عبد الملك لتكونن فتنة ، ولا يتركونه ، فكتب له ، وجعل من بعده يزيد ، وختم الكتاب ، وأمر أن يجمع أهل بيته ، وأمر أن يذهب بكتابه إليهم ، وأمرهم أن يبايعوا من فيه ، ففعلوا ، ثم دخلوا على رجاء بن حيوة سليمان والكتاب بيده ، فقال: هذا عهدي فاسمعوا له وأطيعوا وبايعوا .
قال رجاء: فجاءني فقال: يا رجاء ، قد كانت لي بسليمان حرمة وأنا أخشى أن يكون قد أسند إلي من هذا الأمر شيئا ، فإن كان فأعلمني أستعفيه ، فقال رجاء: والله لا أخبرك بحرف ، فمضى [قال:] وجاءني عمر بن عبد العزيز ، هشام فقال: لي حرمة وعندي شكر فأعلمني ، فقلت: لا والله لا أخبرك [بحرف] . فانصرف هشام وهو يضرب بيد على يد ويقول: فإلى من؟
[ ص: 33 ]
فلما مات سليمان جددت البيعة قبل أن يخبر بموته ، فبايعوا ، ثم قرأ الكتاب ، فلما ذكر نادى عمر بن عبد العزيز هشام: والله لا نبايعه ، فقال له رجاء: إذن والله أضرب عنقك ، قم فبايع ، فقام يجر رجليه ويسترجع إذ خرج عنه الأمر ، وعمر يسترجع إذ وقع فيه .
ثم جيء بمراكب الخلافة ، فقال عمر: قربوا لي بغلتي ، ثم أنشد يقول:
ولولا التقى ثم النهى خشية الردى لعاصيت في حب الهوى كل زاجر قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى
له صبوة أخرى الليالي الغوابر
ثم نزل فدخل فأمر بالستور فهتكت ، والثياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت وأمر ببيعها وإدخال ثمنها في بيت المال ورد المظالم .
أخبرنا علي بن أبي عمر ، قال: أخبرنا محمد بن الحسن الباقلاوي ، قال: أخبرنا عبد الملك [بن بشران ] ، قال: أخبرنا قال: حدثنا أبو بكر الآجري ، أبو عبد الله بن مخلد ، قال: حدثني سهل بن عيسى المروزي ، قال: حدثني القاسم بن محمد بن الحارث المروزي ، قال: حدثني سهل بن يحيى بن محمد ، قال: أخبرني أبي ، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، قال:
لما بلغ الخوارج سيرة عمر وما رد من المظالم قالوا: ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا [ ص: 34 ] الرجل . وبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك ، فكتب إليه: إنك قد أزريت على من كان قبلك من الخلفاء ، وعبت عليهم وسرت بغير سيرتهم بغضا لهم وسبا لمن بعدهم من أولادهم ، قطعت ما أمر الله به أن يوصل إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثهم ، فأدخلتها في بيت المال جورا وعدوانا ، ولن تترك على هذا ، فلما قرأ كتابه كتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمر بن الوليد ، السلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، أما بعد ، فإنني بلغني كتابك وسأجيبك بنحو منه: أما أول شأنك ابن الوليد كما زعم فأمك بنانة أمة السكون ، كانت تطوف في سوق حمص وتدخل في حوانيتها ، ثم الله أعلم بما اشتراها ذبيان من فيء المسلمين ، فأهداها لأبيك ، فحملت بك ، فبئس المحمول وبئس المولود . ثم نشأت فكنت جبارا عنيدا ، أتزعم أني من الظالمين لما حرمتك وأهل بيتك فيء الله عز وجل الذي فيه حق القرابة والمساكين والأرامل ، وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين تحكم فيهم برأيك ، ولم تكن له في ذلك نية إلا حب الوالد لولده ، فويل لك وويل لأبيك ، ما أكثر خصماءكما يوم القيامة ، وكيف ينجو أبوك من خصمائه .
وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف يسفك الدم الحرام ، ويأخذ المال الحرام . وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك أعرابيا جافيا على مصر أذن له في المعازف واللهو والشرب . وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من جعل لعالية البربرية سهما في خمس فيء العرب فرويدا يا ابن بنانة ، فلو التفت حلقتا البطان ورد الفيء إلى أهله لتفرغت لك ولأهل بيتك فوضعتهم على المحجة البيضاء ، فطالما تركتم الحق وأخذتم في بنيات الطريق ، ومن وراء هذا ما أرجو أن أكون رأيته بيع رقبتك وقسم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل فإن لكل فيك حقا ، والسلام علينا ولا ينال سلام الله الظالمين .
أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري بإسناده عن عمرو بن مهاجر قهرمان قال: عمر بن عبد العزيز ،
"الوفاء عزيز" عمر بن عبد العزيز . [ ص: 35 ] كان نقش خاتم
أخبرنا علي بن أبي عمر بإسناد له عن قبيصة ، قال: سمعت يقول: سفيان الثوري
الخلفاء خمسة: أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، [رضي الله عنهم] . وعمر بن عبد العزيز
أخبرنا محمد بن ناصر ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا قال: أخبرنا أبو الطيب الطبري ، قال: حدثنا المعافى بن زكريا ، محمد المرزبان ، قال:
حدثنا أبو عبد الرحمن الجوهري ، قال: حدثنا عبد الله بن الضحاك ، قال: حدثنا عن الهيثم بن عدي ، قال : عوانة بن الحكم ،
لما استخلف وفد الشعراء إليه ، فأقاموا ببابه أياما لا يؤذن لهم . فبينا هم كذلك وقد أزمعوا على الرحيل إذ مر بهم عمر بن عبد العزيز - وكان من خطباء رجاء بن حيوة أهل الشام - فلما رآه جرير داخلا على عمر أنشأ يقول:
يا أيها الرجل المرخي عمامته هذا زمانك فاستأذن لنا عمرا
يا أيها الرجل المرخي مطيته هذا زمانك إني قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه أني لدى الباب كالمصفود في قرن
لا تنس حاجتنا لقيت مغفرة قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني
كيف؟ قال: امتدحه العباس بن مرداس السلمي فأعطاه حلة قطع بها لسانه ، قال: [ ص: 36 ]
أو تروي من قوله شيئا؟ قال: نعم ، فأنشده يقول:
رأيتك يا خير البرية كلها نشرت كتابا جاء بالحق معلما
[شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا عن الحق لما أصبح الحق مظلما]
ونورت بالتبيان أمرا مدلسا وأطفأت بالقرآن نارا تضرما
فمن مبلغ عني النبي محمدا وكل امرئ يجزى بما كان قدما
أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجه وكان قديما ركنه قد تهدما
تعالى علوا فوق عرش إلهنا وكان مكان الله أعلا وأعظما
ثم نبهنها فهبت كعابا طفلة ما تبين رجع الكلام
ساعة ثم إنها بعد قالت ويلتا قد عجلت يا ابن الكرام
أعلى غير موعد جئت تسري تتخطى إلي رءوس النيام
هما دلياني من ثمانين قامة كما انقض باز أقتم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا أحي يرجى أم مثيل نحاذره
ولست بصائم رمضان طوعا ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بزاجر عيسا بكور إلى بطحاء مكة للنجاح
ولست بزائر بيتا بعيدا بمكة أبتغي فيه صلاحي
ولست بقائم كالعير أدعو قبيل الصبح حي على الفلاح
ولكني سأشربها شمولا وأسجد عند منبلج الصباح
الله بيني وبين سيدها يفر مني بها وأتبعه
ألا ليتنا نحيا جميعا وإن أمت يوافق في الموتى ضريحي ضريحها
فما أنا في طول الحياة براغب إذا قيل قد سوي عليها صفيحها
طرقتك صائدة القلوب فليس ذا حين الزيارة فارجعي بسلام
إن الذي بعث النبي محمدا جعل الخلافة للإمام العادل
وسع الخلائق عدله ووفاؤه حتى ارعوى فأقام ميل المائل
إني لأرجو منك خيرا عاجلا والنفس مولعة بحب العاجل
أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت أم قد كفاني بما بلغت من خبري
كم باليمامة من شعثاء أرملة ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر
ممن يعدك تكفي فقد والده كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر
يدعوك دعوة ملهوف كأن به خبلا من الجن أو مسا من البشر
[ ص: 38 ] خليفة الله ماذا تأمرون بنا لسنا إليكم ولا في دار منتظر
ما زلت بعدك في هم يؤرقني قد طال في الحي إصعادي ومنحدري
لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ولا يعود لنا باد على حضر
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا من الخليفة ما نرجو من المطر
نال الخلافة إذ كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
الخير ما دمت حيا لا يفارقنا بوركت يا عمر الخيران من عمر
قال: وقد ذكر أنه قال له: ويحك يا جرير لقد ولينا هذا الأمر وما نملك إلا ثلاثمائة درهم ، فمائة أخذها عبد الله ، ومائة أخذتها أم عبيد الله ، يا غلام أعطه المائة الباقية .
قال: فأخذها وقال: والله لهي أحب من كل ما اكتسبته .
قال: ثم خرج ، فقال له الشعراء: ما وراءك؟ قال: ما يسركم ، خرجت من عند أمير المؤمنين وهو يعطي الفقراء ويعطي الشعراء ، وإني عنه لراض ، وأنشأ يقول:
رأيت رقى الشيطان لا يستفزه وقد كان شيطاني من الجن راقيا
ثم قال: أعوذ بالله ، أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي وتظهر عيبتي ، وتبدو مسكنتي في يوم لا ينفع فيه إلا الحق والصدق . ثم بكى حتى ظننا أنه قاض نحبه ، وارتج المسجد بالبكاء والعويل ، فرجعت إلى أصحابي فقلت: خذوا في شرح من الشعر غير ما [كنا] نقول لعمه وآبائه ، فإن الرجل أخروي وليس بدنيوي إلى أن استأذن لنا مسلمة يوم جمعة ، فأذن لنا بعد ما أذن للعامة ، فلما دخلت سلمت ، ثم قلت: يا أمير المؤمنين ، طال الثواء وقلت الفائدة ، وتحدثت بجفائك إيانا وفود العرب ، فقال: يا كثير ، إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل أفي واحد من هؤلاء أنت؟ فقلت:
ابن سبيل منقطع [به] وأنا صاحبك ، قال: أولست ضيف أبي سعيد؟ قلت: بلى ، [قال:] ما أرى من كان ضيفه منقطعا به ، قلت: أفتأذن لي في الإنشاد يا أمير المؤمنين؟ قال: [قل] ولا تقل إلا حقا ، فقلت: [ ص: 40 ]
وليت فلم تشتم عليا ولم تخف بريا ولم تقبل إشارة مجرم
وصدقت بالفعل المقال مع الذي أتيت فأمسى راضيا كل مسلم
وقد لبست لبس الهلوك ثيابها تراءى لك الدنيا بوجه ومعصم
وتومض أحيانا بعين مريضة وتبسم عن مثل الجمان المنظم
فأعرضت عنها مشمئزا كأنما سقتك مذوقا من سمام وعلقم
وقد كنت من أجبالها في ممنع ومن بحرها في مزبد الموج مفعم
فلما أتاك الملك عفوا ولم يكن لطالب دنيا بعده من تكلم
تركت الذي يفنى وإن كان مونقا وآثرت ما يبقى برأي مصمم
سما لك هم في الفؤاد مؤرق بلغت به أعلى البناء المقدم
فما بين شرق الأرض والغرب كلها مناد ينادي من فصيح وأعجم
يقول: أمير المؤمنين ظلمتني بأخذ لدينار ولا أخذ درهم
ولا بسط كف بامرئ غير مجرم ولا السفك منه ظالما ملء محجم
فأربح بها من صفقة لمتابع وأعظم بها أعظم بها ثم أعظم
وما الشعر إلا خطبة من مؤلف بمنطق حق أو بمنطق باطل
فلا تقبلن إلا الذي وافق الرضا ولا ترجعنا كالنساء الأرامل
رأيناك لم تعدل عن الحق يمنة ولا شامة فعل الظلوم المجادل
ولكن أخذت القصد جهدك كله تقفو مثال الصالحين الأوائل
فقلنا ولم نكذب بما قد بدا لنا ومن ذا يرد الحق من قول قائل
ومن ذا يرد السهم بعد مضائه على فوقه إن عار من نزع نابل
ولولا الذي قد عودتنا خلائف غطاريف كانت كالليوث البواسل
لما وخدت شهرا برجلي رسلة تغل متون البيد بين الرواحل
فإن لم يكن للشعر عندك موضع وإن كان مثل الدر من قول قائل
فإن لنا قربى ومحض مودة وميراث آباء مشوا بالمناصل
فذادوا عمود الشرك عن عقر دارهم وأرسوا عمود الدين بعد التمايل
وقبلك ما أعطى هنيدة جلة على الشعر كعبا من سديس وبازل
رسول الإله المستضاء بنوره عليه سلام بالضحى والأصائل
[ ص: 42 ] فكل الذي عددت يكفيك بعضه ونيلك خير من بحور سوائل