قال المصنف: منذ ولي يجتهد في العدل ومحو الظلم وترك الهوى ، عمر بن عبد العزيز وكان يقول للناس: ارحلوا إلى بلادكم فإني أنساكم ها هنا وأذكركم في بلادكم . ومن ظلمه عامله فلا إذن له علي . وما زال
وخير جواريه لما ولي ، فقال: قد جاء أمر شغلني عنكن فمن أحب أن أعتقه أعتقته ، ومن أراد أن أمسكه أمسكته ولم يكن مني إليها شيء ، قالت زوجته فاطمة: ما أعلم أنه اغتسل لا من جنابة ولا من احتلام منذ ولي إلى أن مات .
وقيل لها: اغسلي قميصه ، فقالت: والله ما يملك غيره .
أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي ، قال: أخبرنا علي بن محمد العلاف ، قال:
أخبرنا عبد الملك بن بشران ، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم الكندي ، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر ، قال: أخبرنا أبو الفضل الربعي ، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، عن قال: الهيثم بن عدي ،
كانت لفاطمة بنت عبد الملك بن مروان - زوجة عمر - جارية ذات جمال فائق ، وكان عمر معجبا بها قبل أن تفضي إليه الخلافة ، فطلبها منها وحرص ، فغارت من ذلك ، فلم تزل في نفس عمر ، فلما استخلف أمرت فاطمة بالجارية فأصلحت ثم حليت ، فكانت حديثا في حسنها وجمالها ، ثم دخلت فاطمة بالجارية على عمر ، فقالت: يا أمير المؤمنين ، إنك كنت بفلانة معجبا ، وسألتنيها فأبيت ذلك عليك ، وإن نفسي قد طابت لك بها اليوم ، فدونكها ، فلما قالت ذلك استبانت الفرح في وجهه ، ثم قال: ابعثي بها إلي ، ففعلت ، فلما دخلت عليه نظر إلى شيء أعجبه فازداد بها عجبا ، فقال لها: ألقي [ ص: 43 ] ثوبك ، فلما همت أن تفعل قال: على رسلك ، اقعدي ، أخبريني لمن كنت؟ ومن أين أنت لفاطمة؟ قالت: كان أغرم عاملا كان له من الحجاج بن يوسف أهل الكوفة مالا ، وكنت في رقيق ذلك العامل فاستصفاني عنه مع رقيق له وأموال ، فبعث بي إلى وأنا يومئذ صبية ، فوهبني عبد الملك لابنته فاطمة . قال: وما فعل ذلك العامل؟ قالت: هلك ، قال: وما ترك ولدا؟ قالت: بلى ، قال: وما حالهم؟ قالت: عبد الملك بن مروان
بشر ، قال: شدي عليك ثوبك .
ثم كتب إلى عبد الحميد عامله على بلدهم: أن سرح إلي فلان بن فلان على البريد ، فلما قدم قال: ارفع إلي جميع ما أغرم الحجاج أباك فلم يرفع إليه شيئا إلا دفعه إليه ، ثم أمر بالجارية فدفعت إليه ، فلما أخذ بيدها قال: إياك وإياها فإنك حديث السن ولعل أباك أن يكون قد وطئها ، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين هي لك ، قال: لا حاجة لي فيها ، قال: فابتعها مني ، قال: لست إذا ممن ينهى النفس عن الهوى . فمضى بها الفتى فقالت له الجارية: فأين موجدتك بي يا أمير المؤمنين؟ قال: إنها لعلى حالها ولقد ازدادت ، فلم تزل الجارية في نفس عمر حتى مات .
أخبرنا هبة الله بن أحمد الجريري ، قال: أخبرنا قال: إبراهيم بن عمر البرمكي ،
أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن خلف ، قال: حدثنا أحمد بن مطرف ، قال: حدثنا أحمد بن المغلس الجماني ، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال: حدثنا عن ابن المبارك ، سفيان ، عن أبي الزناد ، عن أبي حازم ، قال:
قدمت على وقد ولي الخلافة ، فلما نظر إلي عرفني ولم أعرفه ، فقال: ادن مني ، فدنوت منه ، فقلت: أنت أمير المؤمنين؟ قال: نعم ، فقلت: عمر بن عبد العزيز
ألم تكن عندنا بالمدينة أميرا ، فكان مركبك وطيا ، وثوبك نقيا ووجهك بهيا ، وطعامك شهيا ، وخدمك كثير ، فما الذي غيرك وأنت أمير المؤمنين؟ فبكى وقال: يا أبا حازم ، كيف لو رأيتني بعد ثلاث في قبري وقد سالت حدقتاي على وجنتي ، ثم جف لساني ، وانشقت بطني وجرت الديدان في بدني لكنت لي أشد إنكارا ، أعد علي الحديث الذي حدثتني بالمدينة ، قلت: يا أمير المؤمنين ، سمعت أبا هريرة يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن بين أيديكم عقبة كؤودا مضرسة لا يجوزها إلا كل ضامر مهزول . [ ص: 44 ]
قال: فبكى بكاء طويلا ثم قال لي: يا أبا حازم ، أما ينبغي لي أن أضمر نفسي لتلك العقبة فعسى أن أنجو منها يومئذ ، وما أظن أني مع هذا البلاء الذي ابتليت به من أمور الناس بناج . ثم رقد ثم تكلم الناس ، فقلت: أقلوا الكلام فما فعل به ما ترون إلا سهر الليل ، ثم تصبب عرقا في يوم الله أعلم كيف كان ، ثم بكى حتى علا نحيبه ، ثم تبسم ، فسبقت الناس إلى كلامه ، فقلت: يا أمير المؤمنين ، رأيت منك عجبا ، إنك لما رقدت تصببت عرقا حتى ابتل ما حولك ، ثم بكيت حتى علا نحيبك ثم تبسمت ، فقال لي:
وقد رأيت ذلك؟ قلت: نعم ومن كان حولك من الناس رآه ، فقال لي: يا أبا حازم ، إني لما وضعت رأسي فرقدت ، رأيت كأن القيامة قد قامت واجتمع الناس ، فقيل: إنهم عشرون ومائة صف فملئوا الأفق ، أمة محمد من ذلك ثمانون صفا مهطعين إلى الداعي ينتظرون متى يدعون إلى الحساب ، إذ نودي: أين عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق؟ فأجاب فأخذته الملائكة فأوقفوه أمام ربه عز وجل ، فحوسب ثم نجا [وأخذ به ذات اليمين ، ثم نودي بعمر فقربته الملائكة ، فوقفوه أمام ربه ، فحوسب ثم نجا] وأمر به وبصاحبه إلى الجنة . ثم نودي بعثمان ، فأجاب ، فحوسب يسيرا ، ثم أمر به إلى الجنة ، ثم نودي بعلي بن أبي طالب ، فحوسب ثم أمر به إلى الجنة . فلما قرب الأمر مني أسقط في يدي ، ثم جعل يؤتى بقوم لا أدري ما حالهم ، ثم نودي: أين فتصببت عرقا ، ثم سئلت عن الفتيل والنقير والقطمير وعن كل قضية قضيت بها ، ثم غفر لي ، فمررت بجيفة ملقاة ، فقلت للملائكة: من هذا؟ فقالوا: إنك لو كلمته كلمك ، فوكزته برجلي فرفع رأسه إلي وفتح عينيه ، فقلت له: من أنت؟ فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا عمر بن عبد العزيز؟ قال: ما فعل الله بك؟ قلت: تفضل علي وفعل بي ما فعل بالخلفاء الأربعة الذين غفر لهم ، وأما الباقون فما أدري ما فعل بهم ، [ ص: 45 ] فقال لي: هنيئا لك ما صرت إليه . قلت له: من أنت؟ قال: أنا الحجاج ، قدمت على الله عز وجل فوجدته شديد العقاب فقتلني بكل قتلة قتلة ، وها أنا موقوف بين يدي الله عز وجل أنتظر ما ينتظر الموحدون من ربهم ، إما إلى الجنة وإما إلى النار . عمر بن عبد العزيز ،
قال أبو حازم: فعاهدت الله عز وجل بعد رؤيا ألا أقطع على أحد بالنار ممن يموت وهو يقول لا إله إلا الله . عمر بن عبد العزيز