ويتفرع عن هذا الأصل مسائل
مسائل الزهري مثلا حديث واحد شك أنه سمعه من الزهري أم لا ، لم يجز له أن يقول : " سمعت إذا كان في مسموعاته عن الزهري " ولا أن يقول : " قال الزهري " ، لأن قوله : " قال الزهري " شهادة على الزهري ، فلا يجوز إلا عن علم ، فلعله سمعه من غيره فهو كمن سمع إقرارا ولم يعلم أن المقر زيد أو عمرو ، فلا يجوز أن يشهد على زيد ، بل نقول : لو سمع مائة حديث من شيخ وفيها حديث واحد علم أنه لم يسمعه ولكنه التبس عليه عينه فليس له روايته ، بل ليس له رواية شيء من الأحاديث عنه ، إذ ما من حديث إلا ويمكن أن يكون هو الذي لم يسمعه .
ولو غلب على ظنه في حديث أنه مسموع من الزهري لم تجز وقال قوم : يجوز ; لأن الاعتماد في هذا الباب على غلبة الظن . الرواية بغلبة الظن
وهو بعيد ; لأن الاعتماد في الشهادة على غلبة الظن ولكن في حق الحاكم فإنه لا يعلم صدق الشاهد . أما الشاهد فينبغي أن يتحقق لأن تكليفه أن لا يشهد إلا على المعلوم فيما تمكن فيه المشاهدة ممكن ، وتكليف الحاكم أن لا يحكم إلا بصدق الشاهد محال ، وكذلك الراوي لا سبيل له إلى معرفة صدق الشيخ ولكن له طريق إلى معرفة قوله بالسماع ، فإذا لم يتحقق فينبغي أن لا يروي .
فإن قيل : فالواحد في عصرنا يجوز أن يقول " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولا يتحقق ذلك . قلنا : لا طريق له إلى تحقق ذلك ولا يفهم من قوله : " قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم أنه سمعه ، لكن يفهم منه أنه سمع هذا الحديث من غيره أو رواه في كتاب يعتمد عليه وكل من سمع ذلك لا يلزمه العمل به لأنه مرسل لا يدري من أين يقوله ، وإنما يلزم العمل إذا ذكر مستنده حتى ينظر في حاله وعدالته والله أعلم .