. قال رجل ثبت نسب الولد منه وصارت الجارية أم ولد له وعليه للمولى قيمة الولد للجارية ; لأن الشرع أضاف مال الولد إلى الأب بقوله صلى الله عليه وسلم { [ ص: 115 ] علقت جاريته في ملكه فولدت فادعى الولد أبوه } وأثبت له حق تملك المال على ولده عند الحاجة ; ولهذا كان له أن ينفق من ماله بالمعروف وحاجته إلى النفقة لإبقاء نفسه إلى الاستيلاد لإبقاء نسله فإن بقاءه معني ببقاء نسله إلا أن الحاجة إلى إبقاء النفس أصلي فيثبت له ولاية صرف مال الولد إلى حاجته من غير عوض وحاجته إلى إبقاء نسله ليس من أصول الحوائج فلا يبطل حق الولد عن مالية الجارية فكان له أن يتملكها بضمان القيمة نظرا من الجانبين وروي عن أنت ومالك لأبيك بشر رحمه الله أنه قال آخر ما استقر عليه قول رحمه الله أن الجارية لا تصير أم ولد للأب ، ولكن الولد حر بالقيمة بمنزلة ولد المغرور فيغرم الأب عقرها وقيمة ، ولدها ; لأن حق ملك الأب في مال ولده لا يكون أقوى من حق ملك المولى في كسب مكاتبه فإنه يملك رقبة المكاتب ، ولا يملك رقبة ولده ، ثم لو ادعى ولد جارية مكاتبة لا تصير الجارية أم ولد له ، ولكن إن صدقه المكاتب فالولد حر بالقيمة فكذلك هنا إلا أن هناك يحتاج إلى تصديق المكاتب ; لأن المولى حجر على نفسه عن التصرف في كسب مكاتبه ودعوة النسب تصرف منه فلا ينفذ إلا بتصديقه . أبي يوسف
ووجه ظاهر الرواية أن للمولى في كسب المكاتب حق الملك وذلك كاف لثبات النسب فلا حاجة به إلى تملك الجارية ، وإذا لم يتملكها لا تصير أم ولد له وليس للوالد في مال ولده حق الملك بدليل أنه يباح للابن أن يطأ جارية نفسه فلا يمكن إثبات النسب فيه إلا بتقديم بملك الجارية فيه على الاستيلاد صيانة لمائه من الضياع ، وإذا صار متملكا لها فإنما استولد ملك نفسه فتصير أم ولد له فلهذا لا يلزمه قيمة الولد ; لأنه علق حر الأصل ، ولا عقر عليه عندنا ، وقال زفر رحمهما الله عليه العقر ; لأن وطأه حصل في ملك الغير فلا يخلو عن إيجاب حد وعقر ، وقد سقط الحد لشبهة فيجب العقر كما لو وطئها فلم تحبل ; وهذا لأن ملكه إياها أن يقدم على العلوق ، ولكن لا يضيع ماؤه فيبقى أصل الوطء حاصلا في ملك الغير . والشافعي
( ألا ترى ) أنه يسقط به إحصان الأب ولنا أن ملكه إياها مقدم على فعل الاستيلاد ، وأصل الوطء إذا اتصل به العلوق يكون استيلادا كالجرح إذا اتصل به زهوق الروح يكون قتلا من الأصل فإذا تقدم ملكه إياها على فعل الاستيلاد كان واطئا ملك نفسه فلا يلزمه العقر غير أن تقديم هذا الملك ضرورة تصحيح الاستيلاد فلا يعدو موضع الضرورة ففي حكم الإحصان لا يظهر هذا الملك لانعدام الضرورة [ ص: 116 ] فيه ; ولأن المستوفى في حكم جزء من عينها ، وقد غرم بفعله جميع بدل نفسها ويسقط اعتبار بدل الجزء كمن قطع يد إنسان خطأ ، ثم قتله خطأ قبل البرء أما إذا لم يثبت النسب منه إذا أكذبه الابن ; لأن ثبوت النسب من الأب بشرط تملكها على الابن من وقت العلوق ، وقد تعذر إيجاد هذا الشرط هنا ; لأنها عند العلوق ما كانت في ملك الابن ، ولا كان للأب فيها ولاية النقل إلى نفسه لحاجة ; ولأن دعوته هنا دعوة التحرير فيقتصر على الحال ، ولا كان للأب فيها ولاية ويكون بمنزلة الإعتاق وليس للأب ولاية الإعتاق في مال ولده بخلاف الأولى فإن دعوته دعوة الاستيلاد ، وإلى هذا أشار فقال لو جعلته ابنه لم أضمنه قيمة الأم لتعذر تملكه عليه إياها من وقت العلوق وكل ولد لا يضمن الأب فيه قيمة الأم فهو غير مصدق عليه إلا أن يصدقه الابن فحينئذ يثبت النسب منه بمنزلة أجنبي آخر إذا ادعاه فصدقه المولى ; وهذا لأن الحق لهما فما تصادقا عليه محتمل فيجعل كأنه حق اشتراها الابن حاملا فولدت بعد الشراء بيوم فادعاه أبوه
وكذلك إن لم تصح دعوته لتعذر إيجاد شرطه وهو يملك الأم عليه حين لم يكن في ملك الولد وقت الدعوة ، وكذلك إن باعها بعد العلوق ، ثم اشتراها فولدت ; لأن شرط صحة دعوته تملكها عليه مستند إلى وقت العلوق ، وقد تعذر ذلك لما تخلل من زوال ملك الابن ، وكذلك المدبرة بحبل في ملك مولاها ، وتلد فادعى الولد الأول أبوه لم يثبت نسبه منه ; لأن ما هو الشرط وهو النقل إلى ملك الأب بضمان القيمة متعذر في المدبرة . باعها الابن قبل أن تلد ، ثم ولدت فادعاه أب البائع
وكذلك أم الولد إذا ولدت ولدا فنفاه المولى فادعاه أبوه وروى عن ابن سماعة رحمهما الله في المدبرة أن دعوة الأب صحيحة يثبت نسب الولد منه يضمن عقرها وقيمة الولد مدبرا ، وهذا على الأصل الذي ذكرنا أبي يوسف رحمه الله أنه لا يتملك الجارية ، ولكنه بمنزلة المغرور في دعوى النسب ، وفي هذا القنة والمدبرة سواء إلا أنه يضمن قيمته مدبرا ; لأنه كما انفصل عن أمه انفصل مدبرا فإنما يضمن قيمته على الوجه الذي أتلفه بدعوته وفرق على هذه الرواية بين ولد المدبرة وولد أم الولد فقال : ولد أم الولد ثابت النسب من مولاها لما له عليها من الفراش فيمنع ذلك صحة دعوة الأب ، وإن نفاه المولى كما في ولد الملاعنة فأما ولد المدبرة غير ثابت النسب من مولاها فتصح دعوة أبيه فيه . لأبي يوسف
وكذلك ولد المكاتبة يدعيه أب مولاها فإنه غير مصدق على ذلك لتعذر شرط صحة الدعوة وهو يملكها عليه بضمان القيمة فإن ولدته وهي مكاتبة أو كاتبها بعد ما ولدت أو كاتب الولد لم تصح دعوة الأب [ ص: 117 ] في الفصول كلها ; لأن الولد هو المقصود ، وقد تقرر فيه من جهة الابن ما يمنع نقله إلى الأب فلهذا لم تصح دعوته ، وإن كاتب الأم بعد الولادة ، ثم ادعى الأب نسب الولد قال في هذا الموضوع : لا تصح دعوته ، وقال بعد هذا : تصح دعوته ويثبت نسب الولد منه ، ولا يصدق في حق الأم وما ذكر هنا قول محمد رحمه الله وما ذكر بعد هذا قول رحمه الله نص على الخلاف في الجامع في البيع إذا باع الأم بعد الولادة ، ثم ادعى أبوه نسب الولد يثبت نسبه في قول أبي يوسف ، ولم يثبت في قول أبي يوسف فكذلك إذا كاتبها . محمد
وجه قول رحمه الله أن شرط صحة الدعوة يملكها عليه بضمان القيمة ، وقد تعذر ذلك حين كاتبها أو باعها فلم تصح دعوته كولد المدبرة ، وأم الولد . محمد
وجه قول رحمه الله أن الولد هو المقصود بالدعوة ، وقد ثبت للأب حق استلحاق نسبه بالدعوة قبل كتابة الأم فلا يتعين بذلك كتابة الأم بخلاف ولد المدبرة وأم الولد فإن المانع هناك في الولد موازاته ما نحن فيه أن لو كاتبها جميعا . أبي يوسف
قال : وإن لم تصح دعوته ; لأن شرط ثبوت النسب ولاية النقل فيها إلى نفسه بضمان القيمة والرقيق والكافر لا ولاية له على ولده فلم تصح دعوته لتعذر اتحاد شرطه فلو كان الأب مسلما والابن كافرا صحت دعوته وطعن ادعى ولد جارية ابنه ، والابن حر مسلم والأب عبد أو مكاتب أو كافر رحمه الله في هذا الحرف فقال كما ليس للكافر ولاية على ولده المسلم فليس للمسلم ولاية على ولده الكافر حتى لا يرث أحدهما صاحبه ، ولا يثبت له ولاية التزويج والتصرف في ماله في صغره فلا يتملكه بالاستيلاد والصحيح ما ذكر في بعض ظاهر الرواية . عيسى
والفرق من وجهين : أحدهما : أن التملك بالاستيلاد إبقاء أثر الولاية التي كانت ثابتة في حال الصغر فإذا كان الأب مسلما فلا يكون الابن مقرا على كفره إلا بعد أن يكون إسلام الأب طارئا ، وقد كانت ولايته قبل إسلامه فيبقى أثره حق الملك بالاستيلاد فأما الابن إذا كان مسلما فهو مسلم أصلي بإسلام أمه ، ولم يكن للكافر عليه ولاية قط فلا يبقى أثر ; ولابنه في الاستيلاد ; ولأن التملك بالاستيلاد لكرامة الأب فيثبت للمسلم على الكافر الولاية التي يرجع إلى كرامة المسلم كولاية الشهادة ، ولا يثبت للكافر على المسلم مثل هذه الولاية فلهذا افترقا ، ولو كانا جميعا من أهل الذمة ، ومللهما مختلفة جازت دعوة الأب فيه ; لأن لبعضهم على البعض ولاية مع اختلاف الملل