وإذا : كان ضامنا لما أنفق منها - اعتبارا للبعض بالكل - ولو لم يصر ضامنا لما بقي منها ; لأنه في الباقي حافظ للمالك ، وبما أنفق لم يتعيب الباقي ، فإن هذا مما لا يضره التبعيض ، فهو كما لو كان عند الرجل وديعة - دراهم أو دنانير ، أو شيء من المكيل ، أو الموزون - فأنفق طائفة منهما في حاجته : لا يكون ضامنا للأخرى ، فإن جاء بمثل ما أنفق ، فخلطه بالباقي ، صار ضامنا لجميعها ; لأن ما أنفق صار دينا في ذمته ، وهو لا ينفرد بقضاء الدين بغير محضر من صاحبه ، فيكون فعله هذا خلطا لما بقي بملك نفسه ، وذلك موجب للضمان عليه ، فإن أودعه وديعتين ، فأنفق إحداهما قال : يطيب له حصة ما خلطه بها من ماله من الفضل ; لأنه ربح حصل على ملكه وضمانه ، ويتصدق بحصة الثاني من الوديعة في قول كان حين أنفق بعضها وجاء ، بمثله فخلط بالباقي أفتي بأنه صار ضامنا لها كلها ، فباعها ثم جاء رب الوديعة فضمنها إياه ، وفي الثمن فضل أبي حنيفة رحمهما الله ، وفي قول ومحمد - رحمه الله - : لا يتصدق به ; لأنه بالضمان قد ملكه ، مستندا إلى وقت وجوب الضمان ، ولهذا نفذ بيعه ، فكان هذا ربحا حاصلا على ملكه وضمانه ، فيطيب له كما في حصة ملكه ، وهما يقولان : هذا ربح حصل له بكسب خبيث ، فإنه ممنوع من بيع الوديعة ، [ ص: 112 ] إما لبقاء ملك المودع - كما في الباقي بعد الخلط في إحدى الروايتين ، أو لبقاء حقه على ما قلنا - والربح الحاصل بكسب خبيث سبيله التصدق به ، ولأن المودع عند البيع يخبر المشتري أنه يبيع ملكه وحقه ، وهو كاذب في ذلك ، والكذب في التجارة يوجب الصدقة ; بدليل حديث أبي يوسف قيس بن عروة الكناني قال : { } . فعملنا بالحديث في إيجاب التصدق بالفضل . وهذا إذا كانت الوديعة شيئا يباع . كنا نتبايع في الأسواق بالأوساق ونسمي أنفسنا السماسرة ، فدخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمانا بأحسن الأسماء وقال : يا معشر التجار ، إن تجارتكم هذه يحضرها اللغو والكذب ; فشوبوها بالصدقة
فإن كانت دراهم : فالدراهم يشترى بها ، ثم ينظر : إن اشترى بها بعينها ونقدها ، لا يطيب له الفصل أيضا ، وإن اشترى بها ، ونقد غيرها ، أو اشترى بدراهم مطلقة ، ثم نقدها : يطيب له الربح هنا ; لأن الدراهم لا تتعين بنفس العقد ، ما لم ينضم إليه التسليم . ولهذا لو أراد أن يسلم غيرها كان له ذلك ، فأما بالقبض يتعين نوع تعين ، ولهذا لا يملك استرداد المقبوض من البائع ليعطيه مثلها ; فلهذا قلنا : إذا استعان في العقد والنقد جميعا بالدراهم الوديعة أو المغصوبة ، لا يطيب له الفضل ، وكذلك إن اشترى بها مأكولا ونقدها ، لم يحل له أن يأكل ذلك قبل أداء الضمان . ولو اشترى بدراهم مطلقة ثم نقد تلك الدراهم : حل له أن ينتفع بها .