فإذا : فلا ضمان عليه ; لانعدام الصنع الموجب للضمان عليه ، ولو يمكن تقصير ، فذلك من المودع بأن جعل دراهم الوديعة في كيس بال ، ولكن المختلط مشترك بينهما بقدر ملكهما ، فإن هلك بعضها هلك من مالها جميعا ويقسم الباقي بينهما على قدر ما كان لكل واحد منهما ; لأنه ليس أحدهما بأن يجعل الهالك من نصيبه بأولى من الآخر ، والأصل في المال المشترك إذا هلك شيء منه : أن ما هلك هلك على الشركة ، وما بقي على الشركة باعتبار أن الهالك يجعل كأن لم يكن . انشق الكيس في صندوقه ; فاختلط بدراهمه
( وإن ) فعل ذلك إنسان ممن هو في عيال المودع - من صغير ، أو كبير ، أو مملوك أو أجنبي - فلا ضمان فيه على المستودع ; لانعدام الخلط منه حقيقة وحكما ، فإن فعل من في عياله كفعله فيما هو مأمور به من جهته صريحا ، أو دلالة ، وذلك لا يوجد في الخلط ، ولكن الضمان على الذي خلطها بمباشرة الفعل الموجب للضمان . والصغير والكبير في ذلك سواء ; لأن الصغير مؤاخذ بضمان الفعل ، فإن تحقق الفعل بوجوده : لا ينعدم بالحجر بسبب الصغر . ثم الخلط أنواع ثلاثة : ( خلط ) يتعذر التمييز بعده - كخلط الشيء بجنسه - فهذا موجب للضمان ; لأنه يتعذر به على المالك الوصول إلى عين ملكه . وخلط يتيسر معه التمييز - كخلط السود بالبيض ، والدراهم بالدنانير - فهذا لا يكون موجبا للضمان ; لتمكن المالك من الوصول إلى عين ملكه ، فهذه مجاورة - ليس بخلط - . وخلط يتعسر معه التمييز - كخلط الحنطة بالشعير - فهو موجب للضمان ; لأنه يتعذر على المالك الوصول إلى عين ملكه ، إلا بحرج ، والمتعسر كالمتعذر - كما بيناه في الغصب - .
( فإن قيل ) : تمييز الحنطة من الشعير ممكن : بأن يصب من ماء فترسب الحنطة ، ويطفو الشعير ، ( قلنا ) : في هذا إفساد للمخلوط في الحال ، ثم الحنطة لا تخلو عن حبات الشعير ، كما لا يخلو الشعير عن حبات الحنطة ، فما كان من حبات الحنطة لصاحب الشعير يرسب ، وما كان من حبات الشعير لصاحب [ ص: 111 ] الحنطة يطفو ، فعرفنا أن التمييز متعذر بهذا الطريق أيضا . وكذلك خلط الجياد بالزيوف ، إن كان بحيث يتعذر التمييز ، أو يتعسر ، فهو موجب للضمان على الخالط ، وإن كان بحيث يتيسر التمييز ، لا يكون موجبا للضمان عليه ، يقول : فإن لم يظهر بالخلط ، فقال أحدهما : أنا آخذ المخلوط ، وأغرم لصاحبي مثل ما كان له ، فرضي به صاحبه : جاز ; لأن الحق لهما ، فإذا تراضيا على شيء صح ذلك في حقهما ، وإن أبى ذلك أحدهما ، فإنه يباع المخلوط ويقسم الثمن بينهما على قيمة الحنطة والشعير ، على التفسير الذي بيناه في الغصب قبل هذا الجواب . إنما يستقيم على قول أبي يوسف - رحمهما الله ورواية ومحمد الحسن عن رحمهما الله في أن ملك المالك لا ينقطع عن المخلوط ، بل له الخيار بين الشركة في المخلوط وبين تضمين الخالط ، فأما على ما هو الظاهر من مذهب أبي حنيفة : المخلوط ملك للخالط ، وحقهما في ذمته ، فلا يباع ماله في دينهما ; لما فيه من الحجر عليه أبي حنيفة لا يرى ذلك . والأصح : أنه قولهم جميعا ; لأن ملكهما - وإن انقطع عن المخلوط - فالحق فيه باق ، ما لم يصل إلى كل واحد منهما بدل ملكه ، ولهذا لا يباح للخالط أن ينتفع بالمخلوط قبل أداء الضمان ، فلبقاء حقهما يكون لهما أن يستوفيا حقهما من المخلوط ، إما صلحا بالتراضي ، أو بيعا وقسمة الثمن ، إذا لم يتراضيا على شيء . وأبو حنيفة