فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه ، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم ف الحمد لله توحيد رب العالمين توحيد الرحمن الرحيم توحيد مالك يوم الدين توحيد إياك نعبد توحيد وإياك نستعين توحيد اهدنا الصراط المستقيم توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد ، الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين الذين فارقوا التوحيد ، ولذلك شهد الله لنفسه بهذا التوحيد ، وشهد له به ملائكته ، وأنبياؤه ورسله ، قال : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام .
فتضمنت هذه الآية الكريمة ، والرد على جميع هذه الطوائف ، والشهادة ببطلان أقوالهم ومذاهبهم ، وهذا إنما يتبين بعد فهم الآية ببيان ما تضمنته من المعارف الإلهية ، والحقائق الإيمانية . إثبات حقيقة التوحيد
فتضمنت هذه الآية : أجل شهادة ، وأعظمها ، وأعدلها ، وأصدقها ، من أجل شاهد ، بأجل مشهود به ، وعبارات السلف في " شهد " تدور على الحكم والقضاء ، والإعلام والبيان ، والإخبار ، قال مجاهد : حكم ، وقضى ، وقال : بين ، وقالت طائفة : أعلم وأخبر ، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره ، وقوله ، وتتضمن إعلامه ، وإخباره وبيانه ، فلها أربع مراتب ، فأول مراتبها : علم ، ومعرفة ، واعتقاد لصحة المشهود به ، وثبوته ، وثانيها : تكلمه بذلك ، ونطقه به ، وإن لم يعلم به غيره ، بل يتكلم به مع نفسه ويذكرها ، وينطق بها أو يكتبها ، وثالثها : أن يعلم غيره بما شهد به ، ويخبره به ، ويبينه له ، ورابعها : أن يلزمه بمضمونها ويأمره به . الزجاج
[ ص: 419 ] فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية ، والقيام بالقسط : تضمنت هذه المراتب الأربعة : علم الله سبحانه بذلك ، وتكلمه به ، وإعلامه ، وإخباره لخلقه به ، وأمرهم وإلزامهم به .
أما مرتبة العلم : فإن الشهادة بالحق تتضمنها ضرورة ، وإلا كان الشاهد شاهدا بما لا علم له به ، قال الله تعالى : إلا من شهد بالحق وهم يعلمون وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : على مثلها فاشهد وأشار إلى الشمس .
وأما مرتبة التكلم والخبر : فمن تكلم بشيء وأخبر به فقد شهد به ، وإن لم يتلفظ بالشهادة ، قال تعالى : قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم وقال تعالى : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون .
فجعل ذلك منهم شهادة ، وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة ، ولم يؤدوها عند غيرهم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وشهادة الزور هي قول الزور ، كما قال تعالى : عدلت شهادة الزور الإشراك بالله واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به وعند نزول هذه الآية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فسمى قول الزور شهادة ، وسمى الله تعالى إقرار العبد على نفسه شهادة ، قال تعالى : عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم [ ص: 420 ] فشهادة المرء على نفسه : هي إقراره على نفسه ، وفي الحديث الصحيح في قصة ماعز الأسلمي : ، وقال تعالى : فلما شهد على نفسه أربع مرات رجمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين .
وهذا - وأضعافه - يدل على أن الشاهد عند الحاكم وغيره : لا يشترط في قبول شهادته أن يتلفظ بلفظ الشهادة ، كما هو مذهب مالك ، وأهل المدينة ، وظاهر كلام أحمد ، ولا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين اشتراط ذلك ، وقد قال شهد عندي رجال مرضيون - وأرضاهم عندي ابن عباس عمر - ، ومعلوم أنهم لم يتلفظوا بلفظ الشهادة ، والعشرة الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، لم يتلفظ في شهادته لهم بلفظ الشهادة ، بل قال : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد الصبح ، حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة الحديث .
[ ص: 421 ] وأجمع المسلمون على أن ، الكافر إذا قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد دخل في الإسلام ، وشهد شهادة الحق ، ولم يتوقف إسلامه على لفظ الشهادة وأنه قد دخل في قوله : وفي لفظ آخر : حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فدل على أن مجرد قولهم لا إله إلا الله شهادة منهم ، وهذا أكثر من أن تذكر شواهده من الكتاب والسنة ، فليس مع من اشترط لفظ الشهادة ، دليل يعتمد عليه ، والله أعلم . حتى يقولوا لا إله إلا الله