فصل التجريد
قال : قال الله تعالى " باب التجريد فاخلع نعليك التجريد : انخلاع عن شهود الشواهد ، وهو على ثلاث درجات ، الدرجة الأولى : تجريد عين الكشف عن كسب اليقين ، والدرجة الثانية : تجريد عين الجمع عن درك العلم ، والدرجة الثالثة : تجريد الخلاص من شهود التجريد " .
وجه الإشارة بالآية - وليس هو تفسيرها ولا المراد بها - أن الله سبحانه أمر موسى أن يخلع نعليه عند دخوله ذلك الوادي المقدس ، إما لتنال إخمص قدميه بركة الوادي ، وإما لأنهما كانتا مما لا يصلح أن يباشر ذلك المكان بهما ، قيل : إنهما كانتا من جلد [ ص: 387 ] حمار غير مذكى ، وعلى كل حال فهو أمر بالتجرد من النعلين في ذلك المكان ، وتلك الحال .
وموضع الإشارة : أنه أمر موسى بالتجرد من نعليه عند دخول الوادي ، فعلم أن التجرد شرط في الدخول فيما لا يصلح الدخول فيه إلا بالتجرد .
وعلى هذا ، فيقال لمن أراد الوصول إلى الله سبحانه وتعالى والدخول عليه : اخلع من قلبك ما سواه ، وادخل عليه ، وأول قدم يدخل بها في الإسلام : أن يخلع الأنداد والأوثان التي تعبد من دون الله ، ويتجرد منها ، فكأنه قيل له : اطرح عنك ما لا يكون صالحا للوطء به على هذا البساط ، أو لأن ذلك الوادي لما كان من أشرف الأودية وأطهرها - ولذلك اختاره الله سبحانه على غيره من الأودية لتكليم نبيه وكليمه - فأمره سبحانه أن يعظم ذلك الوادي بالوطء فيه حافيا ، كما يوطأ بساط الملك ، وصار ذلك سنة في بني إسرائيل في مواضع صلواتهم وكنائسهم ، وشريعتنا جاءت بخلاف ذلك ، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النعلين ، وأمر أصحابه أن يصلوا في نعالهم ، وقال : فالسنة في ديننا : إن اليهود والنصارى لا يصلون في نعالهم فخالفوهم ، نص عليه الصلاة في النعال ، وقيل له : أيصلي الرجل في نعليه ؟ فقال : إي والله . الإمام أحمد