[ ص: 204 ] فصل التمكن
قال صاحب المنازل :
( ) قال الله تعالى باب التمكن ولا يستخفنك الذين لا يوقنون .
وجه استدلاله بالآية في غاية الظهور ، وهو أن المتمكن لا يبالي بكثرة الشواغل ، ولا بمخالطة أصحاب الغفلات ، ولا بمعاشرة أهل البطالات ، بل قد تمكن بصبره ويقينه عن استفزازهم إياه ، واستخفافهم له . ولهذا قال تعالى : فاصبر إن وعد الله حق فمن وفى الصبر حقه ، وتيقن أن وعد الله حق لم يستفزه المبطلون ، ولم يستخفه الذين لا يوقنون ومتى ضعف صبره ويقينه أو كلاهما استفزه هؤلاء واستخفه هؤلاء ، فجذبوه إليهم بحسب ضعف قوة صبره ويقينه ، فكلما ضعف ذلك منه قوي جذبهم له ، وكلما قوي صبره ويقينه قوي انجذابه منهم وجذبه لهم .
فصل .
قال الشيخ : التمكن : فوق الطمأنينة ، وهو الإشارة إلى غاية الاستقرار .
التمكن هو القدرة على التصرف في الفعل والترك ، ويسمى مكانة أيضا ، قال الله تعالى : قل ياقوم اعملوا على مكانتكم إني عامل الآية .
[ ص: 205 ] وأكثر ما يطلق في اصطلاح القوم : على من انتقل إلى مقام البقاء بعد الفناء وهو الوصول عندهم ، وحقيقته : ظفر العبد بنفسه ، وهو أن تتوارى عنه أحكام البشرية بطلوع شمس الحقيقة واستيلاء سلطانها ، فإذا دامت له هذه الحال أو غلبت عليه فهو صاحب تمكين .
قال صاحب المنازل : التمكن : فوق الطمأنينة ، وهو الإشارة إلى غاية الاستقرار إنما كان فوق الطمأنينة ؛ لأنها تكون مع نوع من المنازعة ، فيطمئن القلب إلى ما يسكنه ، وقد يتمكن فيه وقد لا يتمكن ، ولذلك كان التمكن هو غاية الاستقرار ، وهو تفعل من المكان ، فكأنه قد صار مقامه مكانا لقلبه قد تبوأه منزلا ومستقرا .