قوله : وهو على ثلاث درجات ؛ الدرجة الأولى : ، وهذا رجل قد ظفر بالاستقامة ، وتحقق في الإشارة ، فاستحق صحة النسبة . استغراق العلم في عين الحال
هذه الدرجة التي بدأ بها هي أول درجاته ؛ لأن الرجل قد يكون عالما بالشيء ولا يكون متصفا بالتخلق به واستعماله ، فالعلم شيء والحال شيء آخر . فعلم العشق والصحة والشكر والعافية غير حصولها والاتصاف بها ، فإذا غلب عليه حال تلك المعلومات صار علمه بها كالمغفول عنه ، وليس بمغفول عنه ، بل صار الحكم للحال .
فإن العبد يعرف الخوف من حيث العلم ، ولكن إذا اتصف بالخوف وباشر الخوف قلبه غلب عليه حال الخوف والانزعاج ، واستغرق علمه في حاله ، فلم يذكر علمه لغلبة حاله عليه .
[ ص: 197 ] ومن هذه حاله فقد ظفر بالاستقامة ؛ لأن العلوم إذا أثمرت الأحوال ؛ كانت عنها الاستقامة في الأعمال ووقوعها على وجه الصواب ، وتحقق صاحبها في الإشارة إلى ما وجده من الأحوال ، ولم تكن إشارته عن تخمين وظن وحسبان .
واستحق اسم النسبة في صحة العبودية إلى الرحمن عز وجل ؛ لقوله : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ، وقوله : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا الآيات ، وقوله : عينا يشرب بها عباد الله ، وقوله : ياعباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون .
والمقصود : أن هذا انتقل من أحكام العلم وحده إلى أحكام العمل بالحال المصاحب للعلم ، فهو عامل بالمواجيد الحالية المصحوبة بالعلوم النبوية ، فإن انفراد العلم عن الحال تعطيل وبطالة ، وانفراد الحال عن العلم كفر وإلحاد ، والأكمل : أن لا يغيب عن شهود العلم بالحال ، وإن استغرقه الحال عن شهود العلم مع قيامه بأحكامه ؛ لم يضره .
قوله : " وهذا رجل قد ظفر بالاستقامة " أي : هو على محجة الطريق القاصد إلى الله ، الموصل إليه ، و " الظفر " هو حصول الإنسان على مطلوبه .
قوله : " وتحقق في الإشارة " أي : إشارته إشارة تحقيق ، ليست كإشارة صاحب البرق الذي يلوح ثم يذهب .
قوله : " فاستحق صحة النسبة " لأنه لما استقام ، وصح حاله بعمله ، وأثمر علمه حاله : صحت نسبة العبودية له ؛ فإنه لا نسبة بين العبد والرب إلا نسبة العبودية .