[ ص: 148 ] فصل
ومنها السرور
قال صاحب المنازل :
باب ، قال الله تعالى السرور قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون .
تصدير الباب بهذه الآية في غاية الحسن . فإن الله تعالى أمر عباده بالفرح بفضله ورحمته . وذلك تبع للفرح والسرور بصاحب الفضل والرحمة . فإن من فرح بما يصل إليه من جواد كريم ، محسن ، بر . يكون فرحه بمن أوصل ذلك إليه : أولى وأحرى .
ونذكر ما في هذه الآية من المعنى . ثم نشرح كلام المصنف .
قال ، ابن عباس وقتادة ، ومجاهد ، والحسن ، وغيرهم : فضل الله : الإسلام . ورحمته : القرآن . فجعلوا رحمته أخص من فضله ، فإن فضله الخاص عام على أهل الإسلام ، ورحمته بتعليم كتابه لبعضهم دون بعض . فجعلهم مسلمين بفضله . وأنزل إليهم كتابه برحمته . قال تعالى وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك وقال - رضي الله عنه - : فضل الله : القرآن ، ورحمته : أن جعلنا من أهله . أبو سعيد الخدري
قلت : يريد بذلك . أن هاهنا أمرين .
أحدهما : الفضل في نفسه . والثاني : استعداد المحل لقبوله ، كالغيث يقع على الأرض القابلة للنبات . فيتم المقصود بالفضل ، وقبول المحل له . والله أعلم .
والفرح لذة تقع في القلب بإدراك المحبوب ونيل المشتهى . فيتولد من إدراكه حالة تسمى الفرح والسرور . كما أن الحزن والغم من فقد المحبوب . فإذا فقده : تولد من فقده حالة تسمى الحزن والغم . وذكر سبحانه الأمر بالفرح بفضله وبرحمته عقيب قوله : ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين [ ص: 149 ] ولا شيء أحق أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته ، التي تتضمن الموعظة وشفاء الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة . فأخبر سبحانه : أن ما آتى عباده من الموعظة - التي هي الأمر والنهي ، المقرون بالترغيب والترهيب ، وشفاء الصدور المتضمن لعافيتها من داء الجهل ، والظلمة ، والغي ، والسفه - وهو أشد ألما لها من أدواء البدن ، ولكنها لما ألفت هذه الأدواء لم تحس بألمها . وإنما يقوى إحساسها بها عند المفارقة للدنيا . فهناك يحضرها كل مؤلم محزن . وما آتاها من ربها الهدى الذي يتضمن ثلج الصدور باليقين ، وطمأنينة القلب به ، وسكون النفس إليه ، وحياة الروح به . والرحمة التي تجلب لها كل خير ولذة . وتدفع عنها كل شر ومؤلم .
فذلك خير من كل ما يجمع الناس من أعراض الدنيا وزينتها . أي هذا هو الذي ينبغي أن يفرح به . ومن فرح به فقد فرح بأجل مفروح به . لا ما يجمع أهل الدنيا منها . فإنه ليس بموضع للفرح . لأنه عرضة للآفات . ووشيك الزوال ، ووخيم العاقبة ، وهو طيف خيال زار الصب في المنام . ثم انقضى المنام . وولى الطيف . وأعقب مزاره الهجران .
وقد جاء الفرح في القرآن على نوعين . مطلق ومقيد .
فالمطلق : جاء في الذم . كقوله تعالى : لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين . وقوله : إنه لفرح فخور .
والمقيد : نوعان أيضا . مقيد بالدنيا . ينسي صاحبه فضل الله ومنته . فهو مذموم . كقوله : حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون .
والثاني : مقيد بفضل الله وبرحمته . وهو نوعان أيضا . فضل ورحمة بالسبب . وفضل بالمسبب ، فالأول : كقوله : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون والثاني : كقوله : فرحين بما آتاهم الله من فضله .
[ ص: 150 ] فالفرح بالله ، وبرسوله ، وبالإيمان ، وبالسنة ، وبالعلم ، وبالقرآن : من : قال الله تعالى : أعلى مقامات العارفين وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون .
وقال : والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك .
: دليل على تعظيمه عند صاحبه ، ومحبته له ، وإيثاره له على غيره ، فإن فرح العبد بالشيء عند حصوله له : على قدر محبته له ، ورغبته فيه . فمن ليس له رغبة في الشيء لا يفرحه حصوله له ، ولا يحزنه فواته . فالفرح بالعلم والإيمان والسنة
فالفرح تابع للمحبة والرغبة .
والفرق بينه وبين الاستبشار : أن الفرح بالمحبوب بعد حصوله ، والاستبشار يكون به قبل حصوله إذا كان على ثقة من حصوله . ولهذا قال تعالى : فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم .
والفرح صفة كمال ولهذا يوصف الرب تعالى بأعلى أنواعه وأكملها ، كفرحه بتوبة التائب أعظم من فرحة الواجد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة بعد فقده لها ، واليأس من حصولها .
والمقصود : أن ولذته وبهجته . والفرح والسرور نعيمه . والهم والحزن عذابه . والفرح بالشيء فوق الرضا به . فإن الرضا طمأنينة وسكون وانشراح . والفرح لذة وبهجة وسرور . فكل فرح راض . وليس كل راض فرحا . ولهذا كان الفرح ضد الحزن ، والرضا ضد السخط . والحزن يؤلم صاحبه ، والسخط لا يؤلمه ، إلا إن كان مع العجز عن الانتقام . والله أعلم . الفرح أعلى أنواع نعيم القلب ،