فصل : في مراتب الهداية الخاصة والعامة ، وهي عشر مراتب :
في مراتب الهداية الخاصة والعامة ، وهي عشر مراتب :
المرتبة الأولى : مرتبة ، بل منه إليه ، وهذه أعلى مراتبها ، كما كلم تكليم الله عز وجل لعبده يقظة بلا واسطة موسى بن عمران ، صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه ، قال الله تعالى وكلم الله موسى تكليما فذكر في أول الآية وحيه إلى نوح والنبيين من بعده ، ثم خص موسى من بينهم بالإخبار بأنه كلمه ، وهذا يدل على أن التكليم الذي حصل له أخص من مطلق الوحي الذي ذكر في أول الآية ، ثم أكده بالمصدر الحقيقي الذي هو مصدر كلم وهو التكليم رفعا لما يتوهمه المعطلة والجهمية والمعتزلة وغيرهم [ ص: 61 ] من أنه إلهام ، أو إشارة ، أو تعريف للمعنى النفسي بشيء غير التكليم ، فأكده بالمصدر المفيد تحقيق النسبة ورفع توهم المجاز ، قال الفراء : العرب تسمي ما يوصل إلى الإنسان كلاما بأي طريق وصل ، ولكن لا تحققه بالمصدر ، فإذا حققته بالمصدر لم يكن إلا حقيقة الكلام ، كالإرادة ، يقال : فلان أراد إرادة ، يريدون حقيقة الإرادة ، ويقال : أراد الجدار ، ولا يقال : إرادة ، لأنه مجاز غير حقيقة ، هذا كلامه ، وقال تعالى ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك وهذا التكليم غير التكليم الأول الذي أرسله به إلى فرعون ، وفي هذا التكليم الثاني سأل النظر لا في الأول ، وفيه أعطي الألواح ، وكان عن مواعدة من الله له ، والتكليم الأول لم يكن عن مواعدة ، وفيه قال الله له ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي أي بتكليمي لك بإجماع السلف .
وقد أخبر سبحانه في كتابه أنه ناداه وناجاه ، فالنداء من بعد ، والنجاء من قرب ، تقول العرب : إذا كبرت الحلقة فهو نداء ، أو نجاء ، وقال له أبوه آدم في محاجته : موسى الذي اصطفاك الله بكلامه ، وخط لك التوراة بيده ؟ ، وكذلك يقول له أهل [ ص: 62 ] الموقف إذا طلبوا منه الشفاعة إلى ربه ، وكذلك في حديث الإسراء في رؤية أنت موسى في السماء السادسة أو السابعة على اختلاف الرواية ، قال : وذلك بتفضيله بكلام الله ، ولو كان التكليم الذي حصل له من جنس ما حصل لغيره من الأنبياء لم يكن لهذا التخصيص له في هذه الأحاديث معنى ، ولا كان يسمى كليم الرحمن وقال تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ففرق بين تكليم الوحي ، والتكليم بإرسال الرسول ، والتكليم من وراء حجاب .