[إثبات صفة الشخص والغيرة لربنا جل شأنه]
"حديث آخر"
165 - ناه أبو القاسم عبد العزيز بإسناده، عن قال: المغيرة بن شعبة، لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح عنه، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: "أتعجبون من غيرة سعد، فوالله لأنا أغير من سعد والله أغير مني، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله، ولا شخص أحب إليه المعاذير من الله، من أجل ذلك بعث المرسلين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدحة من الله من أجل ذلك، وعد الله الجنة" سعد بن عبادة: وروي في لفظ آخر: قال "لا أحد أغير من الله".
وفي لفظ آخر رواه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: أبو هريرة، [ ص: 165 ] "إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وغير الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه".
اعلم أن الكلام في هذا الخبر في فصلين:
أحدهما: إطلاق صفة الغيرة عليه.
والثاني: في إطلاق الشخص.
أما الغيرة فغير ممتنع إطلاقها عليه سبحانه لأنه ليس في ذلك ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه لأن الغيرة هي الكراهية للشيء، وذلك جائز في صفاته قال تعالى: ( ولكن كره الله انبعاثهم ) .
فإن قيل: لا يجوز إطلاق ذلك عليه، ويكون معناه الله أزجر عن محارمه من الجميع، لأن الغيور هو الذي يزجر عما يغار عليه ويحذر الدنو منه، وقد نبه على ذلك عقيبه بقوله: "ومن غيرته حرم الفواحش" أي زجر عنها وحظرها. ومنه أن بعض أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، أهدت إليه شيئا في غير يومها فأخبرت بذلك فبددته، فقال: "غارت أمكم" أي زجرت عن إهداء ما أهدت [ ص: 166 ] ، قيل: هذا يؤكد ما ذهبنا إليه لأنه إذا كان معناها الزجر وذلك مما يجوز على الله سبحانه لم يمتنع من إطلاق لفظ يتضمن ذلك، وعلى أن الخبر يقتضي أن تكون الغيرة علة في الزجر بقوله: "ولهذا حرم" يعني لأجل هذه الغيرة حرم، وعلى ما قالوه لا يقتضي أن تكون الغيرة علة في الزجر، بل يكون الزجر نفسه علة لنفسه وهذا لا يصح. عائشة
وأما لفظ الشخص فرأيت بعض أصحاب الحديث يذهب إلى جواز إطلاقه، ووجهه أن قوله: "لا شخص" نفي من إثبات، وذلك يقتضي الجنس كقولك: لا رجل أكرم من زيد يقتضي أن زيدا يقع عليه اسم رجل، كذلك قوله: "لا شخص أغير من الله" يقتضي أنه سبحانه يقع عليه هذا الاسم.